شارح المصابيح التوربشتي، ووهى ما عداه، وقال: لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصر - قولهم: من الأنصار - التي هي المدح، ولو شاركهم في النسب، قال: بل هي زلة من الشيطان، تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة. اهـ.
وقال الداودي - بعد جزمه بأنه كان منافقا - وقيل: كان بدريا، فإن صح فقد وقع ذلك منه قبل شهودها، لانتفاء النفاق عمن شهدها.
وقال ابن التين: إن كان بدريا فمعنى قوله {فلا وربك لا يؤمنون} لا يستكملون الإيمان.
(في شراج الحرة التي يسقون بها النخل) "شراج" بكسر الشين وفتح الراء مع المد، بعدها جيم، جمع شرج، بسكون الراء، مثل بحر وبحار، ويجمع أيضا على شروج، وحكى ابن دريد "شرج" بفتح الراء، وحكى القرطبي "شرجة" والمراد بها هنا مسيل الماء، أي مجراه، والحرة بفتح الحاء وتشديد الراء موضع معروف في المدينة، وهو في الأصل الأرض الملساء، فيها حجارة سود، قال أبو عبيد: كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه.
وأضيف "شراج" إلى الحرة لأنه فيها، والمعنى اختصما بشأن الماء الجاري في مسيل الحرة.
وقوله "التي يسقون بها النخل" أي توصل الماء إلى نخيلهم، وفي رواية "كانا يسقيان بها كلاهما" أي كان هذا المجرى يسقي لهما، لكن أرض الزبير أعلى من أرض الرجل، أي أقرب إلى مصدر الماء، ولا يصل الماء للرجل إلا بعد أن يمر في أرض الزبير.
(فقال الأنصاري: سرح الماء يمر) "سرح" فعل أمر من التسريح، أي قال الرجل للزبير: أطلق الماء يمر، وفي الكلام طي، أي فحبس الزبير الماء في أرضه، حتى يسقي، فقال الأنصاري لا تحبس الماء عني، وأطلقه يمر من أرضك إلى أرضي، لنسقي سويا، وفي رواية في آخرها "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللأنصاري" والحقيقة أن الرأي كان فيه سعة للرجل.
(فأبى عليهم) أي امتنع الزبير من إجابة مطلب الرجل، والجمع باعتبار أهله معه.
(فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) أعاد الجملة لطول الفصل عن الأولى، والجمع في "اختصموا" باعتبار أفراد وأهل كل منهما، كقوله تعالى {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [الحج: 19].
(اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك) أي اسق شيئا يسيرا، دون قدر حقك، ثم أرسله إلى جارك.
(أن كان ابن عمتك؟ ) الزبير بن العوام، أمه صفية بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل الكلام: ألأنه كان ابن عمتك حكمت له؟ فحذف الاستفهام وحرف الجر لام التعليل قبل "أن" وهو كثير، وحذف الضمير، اسم "أن" و"ابن" بالنصب، خبر "كان" كما في قوله تعالى {أن كان ذا مال وبنين} [القلم: 14] أي ألأنه كان ذا مال وبنين كذب؟ وحكى القرطبي تبعا لعياض أن همزة "أن" ممدودة، قال: لأنه استفهام على جهة الإنكار، قال الحافظ ابن حجر: ولم يقع لنا في الرواية مد، لكن يجوز حذف همزة الاستفهام، وحكى الكرماني "إن كان" بكسر الهمزة على أنها شرطية، والجواب