عن أنس بهذه القصة.
5332 - عن أبي موسى قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها. فلما أكثر عليه. غضب. ثم قال للناس: "سلوني عم شئتم" فقال رجل: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" فقام آخر فقال: من أبي؟ يا رسول الله! قال: "أبوك سالم مولى شيبة" فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب قال: يا رسول الله! إنا نتوب إلى الله. وفي رواية أبي كريب: قال: من أبي؟ يا رسول الله! قال: "أبوك سالم، مولى شيبة".
-[المعنى العام]-
إن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، يستلزم الإجابة لما جاء به، وقبول أوامره ونواهيه، وامتثال قراراته وأحكامه، وفي ذلك يقول جل شأنه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65].
لقد طبع العرب على العصبية القبلية، ونصر القريب والدفاع عنه، والحكم له، وإن كان ظالما، ومن الصعب انتزاع العادات والطبائع في زمن يسير، وقد لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الطبيعة ما لاقى، وتحمل في سبيل تقويمها ما تحمل.
فهذا رجل من الأنصار، تجاور أرضه ونخيله أرض ونخيل الزبير بن العوام، ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومياه سقيه لا بد لها أن تمر في أرض الزبير، والمياه، كما يقول العامة: لا تمر على العطشان، فلا يشرب، لكن قانون القوة، وقانون العصبية لا يلتزم الحقوق، لقد حاول الأنصاري أن تمر المياه في أرض الزبير، دون أن يسقى نخيله، فمنعه من فتح القناة في أرضه، وطلب منه أن يترك القناة مغلقة الجوانب حتى يصل الماء أرضه فيروي أولا، ورفعا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان حكم الله أن يسقى الأعلى الأقرب إلى مصدر المياه أولا حتى يكتفي، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في أن يتنازل الزبير عن بعض حقه، وأن يسقى الضروري فقط، وأن يسمح للماء بالمرور إلى أرض الأنصاري قبل أن يشبع الزبير أرضه، فقال: اسق يا زبير قدر الضرورة وأرسل الماء لجارك، وكان الأنصاري مشبعا بالعادة، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألأنه ابن عمتك حكمت لمصلحته؟ وغضب صلى الله عليه وسلم، وبان الغضب في وجهه، فأعطى الزبير حقه، وقال: اسق يا زبير حتى يشبع بالماء نخلك، ثم اترك الماء، ونزلت الآية الكريمة، تدعو الأمة إلى قبول حكمه صلى الله عليه وسلم، والتسليم به.
وكان لا بد من توقيره صلى الله عليه وسلم، وتهيب الأمة لمقامه، وإن تواضع، لكن الطبيعة العربية