الفعل يقضي إلى ترك العمل بالقول، والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل، فكان القول أرجح بهذه الاعتبارات.
قال ابن بطال - بعد أن حكى الاختلاف في أفعاله صلى الله عليه وسلم - محتجا لمن قال بالوجوب بحديث الخاتم، فقد خلع خاتمه، فخلعوا خواتيمهم، ونزع نعله في الصلاة، فنزعوا، ولما أمرهم في الحديبية بالتحلل، وتأخروا عن المبادرة، رجاء أن يؤذن لهم في القتال، وأن ينصرفوا فيكملوا عمرتهم، قالت له أم سلمة: اخرج إليهم، واحلق واذبح، ففعل، فتابعوه مسرعين فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول، ولما نهاهم عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، فقال: إني أطعم وأسقى، فلولا أن لهم الاقتداء به لقال: وما في مواصلتي ما يبيح لكم الوصال، لكنه عدل عن ذلك، وبين لهم وجه اختصاصه بالمواصلة. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وليس في جميع ما ذكره ابن بطال ما يدل على المدعي، من الوجوب بل على مطلق التأسي به صلى الله عليه وسلم.
2 - وذم التعمق، والمغالاة في الدين، لقوله تعالى {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [النساء: 171] والغلو هو المبالغة في الشيء، والتشديد فيه، بتجاوز الحد، وعند النسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين"
3 - وأن الخير في الاتباع، سواء كان ذلك في العزيمة، أو الرخصة.
4 - وأن استعمال الرخصة، بقصد الاتباع، في المحل الذي وردت فيه، أولى من استعمال العزيمة، بل ربما كان استعمال العزيمة حينئذ مرجوحا، كما في إتمام الصلاة في السفر، وربما كان مذموما، إذا كان رغبة عن السنة.
ونقل ابن التين عن الداودي أن التنزه عما ترخص فيه صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب، لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله، وهذا إلحاد.
قال الحافظ ابن حجر: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك، ولكن الذي اعتل به من أشير إليهم في الحديث أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلا يكون إلحادا.
5 - وفي الحديث الغضب عند انتهاك حرمات الشرع، وإن كان المنتهك متأولا تأويلا باطلا.
6 - وفيه حسن المعاشرة، بإرسال التعزير، والإنكار في الجمع، من غير تعيين الفاعل.
7 - وأن القرب إلى الله تعالى سبب لزيادة العلم به، وشدة خشيته.
ولهذا الباب علاقة بالباب بعده
والله أعلم