ونحن نؤمن ببروز هذه المضغة من اللحم بين كتفيه في صدره صلى الله عليه وسلم لثبوت رؤية الصحابة لها في الأحاديث الصحيحة، ولكن لم يثبت في حديث صحيح أنها علامة النبوة، نعم في بعض الأحاديث أن بعض اليهود كشفوا عن كتفيه صلى الله عليه وسلم، فلما رأوها عرفوا رسالته لكن في هذه الروايات مقال.
وعلى الرغم من أن البخاري وغيره ذكر أحاديث الخاتم في علامات النبوة، وفي مناقب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من روايات ضعيفة ذكرها علماء السير في وصف الخاتم، فقد قال الحافظ ابن حجر: ما ورد في أنها كأثر محجم، أو كالشامة السوداء، أو الخضراء، أو مكتوب عليها "محمد رسول الله" أو "سر، فأنت المنصور" أو نحو ذلك، فلم يثبت منها شيء، وقد أطنب الحافظ قطب الدين استيعابها، في شرح السيرة، وتبعه مغلطاي في الزهر الباسم، ولم يبين شيئا من حالها، والحق ما ذكرته ولا تغتر بما وقع منها في صحيح ابن حبان، فإنه غفل، حيث صحح ذلك. والله أعلم
-[المباحث العربية]-
(فقال رجل: وجهه مثل السيف. قال جابر: لا. بل كان مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا) في رواية للبخاري "سئل البراء: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر" كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فرد عليه البراء، فقال: بل مثل القمر في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال؟ فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين، من التدوير واللمعان، وفي رواية "أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم حديدا مثل السيف؟ والسؤال في رواية البخاري وجه إلى البراء بن عازب رضي الله عنه، وهو الذي أجاب، وفي روايتنا وجه السؤال إلى جابر بن سمرة رضي الله عنه، وهو الذي أجاب، ولا مانع من تعدد القصة، ولا من أن يكون السائل واحدا، وتعدد المسئولون، وقد زاد جابر في التشبيه عن البراء "مثل الشمس" وقد جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة، دون غيرها، ولهذا جاء في الجواب "وكان مستديرا، للتنبيه على أنه جمع الصفتين معا، الحسن والاستدارة، وعند أحمد وابن سعد وابن حبان عن أبي هريرة "ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في جبهته" قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم وهو من التشبيه المقلوب، وعند الطبراني والدارمي عن الربيع بنت معوذ "لو رأيته لرأيت الشمس طالعة".
(ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده) في الرواية الثانية "كأنه بيضة حمام" لكن وقع عند ابن حبان "كبيضة نعامة" ونبه على أنها غلط، وعند ابن حبان من حديث ابن عمر "مثل البندقة من اللحم" وعند الترمذي "كبضعة ناشزة من اللحم" وفي رواية للبخاري "كانت بضعة ناشزة" أي مرتفعة على جسده، ومعنى "يشبه جسده" في روايتنا أي في اللون، قال الحافظ ابن حجر: وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم، وكالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها "محمد رسول الله" أو "سر، فأنت المنصور" أو نحو ذلك، فلم يثبت منها شيء. اهـ.