وقال المحققون من العلماء: من نسب شيئا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر، ومن جرى هذا اللفظ على لسانه، غير معتقد لذلك فليس بكافر، لكنه يكره له ذلك، لشبهه بأهل الكفر في الإطلاق، وهذا التفصيل يشبه التفصيل الذي قالوه، في قولهم: مطرنا بنوء كذا، والله أعلم.
الأدب الثاني: كراهة تسمية العنب كرما، قال النووي: في هذه الأحاديث كراهة تسمية العنب كرما، بل يقال: عنب، أو حبلة، قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة "الكرم" كانت العرب تطلقها على شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب، سموها كرما لكونها متخذة منه، فكره الشرع إطلاق هذا اللفظة على العنب وشجره، لأنهم إذا سمعوا اللفظة، ربما تذكروا بها الخمر، وهيجت نفوسهم إليها، فوقعوا فيها، أو قاربوا ذلك. اهـ والتحقيق أن هذه الكراهة على التنزيه.
الأدب الثالث: كراهة قول السيد لمملوكه: عبدي وأمتي، وترجم له البخاري بباب كراهية التطاول على الرقيق، وقال العلماء بكراهية ذلك من غير تحريم، ويشهد للجواز قوله تعالى {والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: 32] {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا} [النحل: 75] واتفقوا على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه، حتى أهل الظاهر، وأما قول العبد: سيدي، أو ربي، أو مولاي فقد مضى في المباحث العربية كثير مما يتعلق به، ونضيف: قال الحافظ ابن حجر: والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه، كما في قوله تعالى، حكاية عن يوسف عليه السلام {اذكرني عند ربك} [يوسف: 42] {ارجع إلى ربك} [يوسف: 50] فدل على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز، وقيل: هو مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرد ما في القرآن، أو المراد النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عنها في الجملة.
الأدب الرابع: النهي عن قول: خبثت نفسي. قال ابن بطال هو على معنى الأدب، وليس على سبيل الإيجاب، وقال ابن أبي جمرة: النهي عن ذلك للندب، والأمر بقوله "لقست" للندب أيضا، فإن عبر بما يؤدي معناه كفى، ولكن ترك الأولى، ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة، والأسماء والعدول إلى ما لا قبح فيه، وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه، ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر، حتى في الألفاظ المشتركة. قال: ويلتحق بهذا أن الضعيف إذا سئل عن حاله، لا يقول: لست بطيب، بل يقول: ضعيف ولا يخرج نفسه من الطيبين، فيلحقها بالخبيثين.
الأدب الخامس: الطيب واستعماله، وهو مستحب بلا خلاف، والمسك أطيب الطيب وأفضله، وهو طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب، ويجوز بيعه، قال النووي: وهذا كله مجمع عليه. اهـ.
قال الجاحظ: المسك من دويبة تكون في الصين، تصاد لنوافجها وسررها، فإذا صيدت شدت بعصائب، وهي مدلية، يجتمع فيها دمها، فإذا ذبحت قورت السرة التي عصبت، ودفنت في الشعر، حتى يستحيل ذلك الدم المختنق الجامد مسكا ذكيا، بعد أن كان لا يرام من النتن ومن ثم قال القفال: إنها تندبغ بما فيها من المسك، فتطهر، كما يطهر غيرها من المدبوغات، والمشهور أن غزال المسك كالظبي، لكن لونه أسود، وله نابان لطيفان أبيضان في فكه الأسفل، وإن المسك دم، يجتمع