-[فقه الحديث]-
قال النووي: النهي نهي تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم، إلا أن يأذن، ومذهب ابن عمر رضي الله عنهما ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان، وفي الحضر والسفر، وقال بعض العلماء: إنما المنهي عنه المناجاة في السفر، دون الحضر، لأن السفر مظنة الخوف حكاه القاضي عياض بلفظ: قيل: إن المراد بهذا الحديث السر والمواضع التي لا يأمن فيها الرجل رفيقه، أو لا يعرفه، أو لا يثق به، ويخشى منه، قال: وقد روي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ولا يحل لثلاثة نفر، يكونون بأرض فلان أن يتناجى اثنان، دون صاحبهما" قال ابن العربي: الخبر عام، اللفظ والمعنى، والعلة الحزن، وهي موجودة في السفر والحضر، فوجب أن يعمهما النهي جميعاً، وادعى بعضهم أن هذا الحديث منسوخ، وأن هذا كان في أول الإسلام، فلما فشا الإسلام، وأمن الناس، سقط النهي، وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين ليحزنوهم، وتعقبه القرطبي بأن هذا تحكم وتخصيص، لا دليل عليه.
ثم قال: أما إذا كانوا أربعة، فتناجى اثنان، دون اثنين فلا بأس، بالإجماع. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: إذا كانوا أربعة لم يمتنع تناجي اثنين، لإمكان أن يتناجى الاثنان الآخران، وقد ورد ذلك صريحاً فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وصححه ابن حبان عن ابن عمر، رفعه "قلت: فإن كانوا أربعة؟ قال: لا يضره" وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار "كان ابن عمر إذا أراد أن يسارر رجلاً، وكانوا ثلاثة، دعا رابعاً، ثم قال للاثنين: استريحا شيئاً، فإني سمعت ... " فذكر الحديث، وفي رواية أخرى "فكان ابن عمر إذا أراد أن يناجي رجلاً دعا آخر، ثم ناجى الذي أراد.
قال الحافظ ابن حجر: وقوله "حتى تختلطوا بالناس" يؤخذ منه أن الزائد على الثلاثة يستوي أن يكون قد جاء اتفاقاً، أو جاء عن طلب، كما كان يفعل ابن عمر.
ثم قال: ويؤخذ من التعليل "أجل أن ذلك يحزنه" استثناء صورة مما تقدم عن ابن عمر، من إطلاق الجواز إذا كانوا أربعة، وهي ما لو كان بين الواحد وبين الاثنين مقاطعة، بسبب يعذران به، أو أحدهما، فإنه يصير في معنى المنفرد، وأرشد هذا التعليل إلى أن المناجي إذا كان ممن إذا خص أحداً بمناجاته أحزن الباقين امتنع ذلك، إلا أن يكون في أمر مهم لا يقدح في الدين.
وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك قال: لا يتناجى ثلاثة دون واحد، ولا عشرة دون واحد، لأنه قد نهي أن يترك واحداً، قال: وهذا من حسن الأدب، لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا، وقال المازري ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة، لوجود المعنى في حق الواحد، زاد القرطبي، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد، فليكن المنع أولى؟ .
واختلف فيما إذا انفرد جماعة بالتناجي، دون جماعة. قال ابن التين: وحديث عائشة في قصة فاطمة دال على الجواز -وحديث عائشة الذي أشار إليه ابن التين رواه البخاري، ولفظه "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعاً، لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها