وصلت، ولم تركب، ففي رواية البخاري "فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت -أي تذكرت- الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه، وعرفت غيرتك".
(والله لحملك النوى على رأسك أشد من ركوبك معه) سقطت من هذه الرواية لفظ "علي" وهي في رواية البخاري "أشد علي" ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ عنه كبير أمر من الغيرة لأنها أخت امرأته، فهي في تلك الحالة لا تحل له أن يتزوجها لو كانت خلية من الزوج، أما أنها كانت تخشى أن ينكشف منها حالة السير ما لا تريد انكشافه، أو أن يقع لها من الرجال مزاحمة بغير قصد، فهذا كله أخف مما تحقق من تبذلها، بحمل النوى على رأسها من مكان بعيد، لأنه قد يوهم خسة النفس، ودناءة الهمة، ولكن كان السبب الحامل على ذلك شغل زوجها وأبيها بالجهاد وغيره، وكانوا لا يتفرغون للقيام بأمور البيت، بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقوم بذلك عنهم فانحصر الأمر في نسائهم، فكن يكفينهم مؤنة المنزل ومن فيه، ليتوافروا هم على ما هم فيه، من نصر الإسلام مع ما ينضم إلى ذلك من العادة المانعة من تسمية ذلك عاراً محضاً. ذكره الحافظ ابن حجر.
(حتى أرسل إلي أبو بكر بخادم) الخادم يطلق على الذكر والأنثى، والمراد هنا أنثى، وفي الرواية الثانية "جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فأعطاها خادماً" قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بين الروايتين بأن السبي لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا بكر منه خادما، ليرسله إلى ابنته أسماء، فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعطي، ولكن وصل ذلك إليها بواسطة.
(إني إن رخصت لك، أبى ذلك الزبير) أي إني إن رخصت لك قبل استشارة الزبير وموافقته رفض الزبير موافقتي.
(ما لك بالمدينة إلا داري؟ ) الاستفهام إنكاري توبيخي، أي ما ينبغي أن تلجأ إلى داري وفي المدينة دور كثيرات، فالجأ لغير داري. قالت ذلك تتظاهر بعدم الموافقة لتكون الموافقة من الزبير.
(مالك أن تمنعي رجلاً فقيراً يبيع) أي ما ينبغي لك أن تمنعي
(فكان يبيع إلى أن كسب) أي إلى أن كان غير فقير، لدرجة قدرته على شراء الإماء والخدم.
(فبعته الجارية) وهو محمول على أنها استغنت عنها بغيرها.
(فقال: هبيها لي) الظاهر أنه لم يكن يعلم أنها باعتها.
(قالت: إني قد تصدقت بها) أي إني بعتها، وهذا ثمنها، وسأتصدق به.
-[فقه الحديث]-
المسألة الفقهية الأساسية في هذا الحديث هي عمل المرأة في بيت زوجها، وظاهر الحديث يدل