(فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة) بكسر الهمزة البغية، والأرب بفتح الهمزة والراء الحاجة.
(لا يدخل هؤلاء عليكم) كذا الرواية "عليكم" بصيغة جمع المذكر، ويوجه بأنه جمع مع النساء المخاطبات من يلوذ بهن، من صبي ووصيف من الذكور، فجاء التغليب، أما عن الإشارة فقد قال النووي: الإشارة إلى جميع المخنثين، المتكلم وأمثاله، وفي الرواية الثانية: "ألا أرى هذا يعرف ما ههنا، لا يدخلن عليكن" وصورة النهي هنا للغائب، والمقصود المخاطبات، أي لا تدخلنه عليكن. أي أرى هذا يعرف ما خفي من مفاتن النساء، ويدركها، ويتلذذ بها، زاد ابن الكلبي في حديثه "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غلغلت النظر إليها يا عدو الله" وفي رواية "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قاتلك الله، إن كنت لأحسبك من غير أولي الإربة من الرجال" وعند البخاري "لا يدخلن هؤلاء عليكن" ولفظ "لا يدخلن" روي بضم الياء وفتح الخاء واللام وتشديد النون، وبفتح الياء وضم الخاء واللام.
(قالت فحجبوه) عن النساء، ومنعوه من الدخول على النساء، أي فصدر الحكم الشرعي بهذا المنع، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه ومخنثاً آخر إلى الحمى.
-[فقه الحديث]-
ترجم البخاري لهذا الحديث بباب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، أي بغير إذن زوجها، وحين تكون مسافرة مثلاً.
قال النووي: المخنث بالخلقة لا ذم عليه ولا عتب، ولا إثم ولا عقوبة، لأنه معذور، لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم أولاً دخوله على النساء، ولم ينكر خلقه الذي هو عليه، حين كان من أصل خلقته، وإنما أنكر عليه بعد ذلك معرفته لأوصاف النساء، ولم ينكر صفته وكونه مخنثاً. اهـ
وهذا مسلم إذا فسرنا المخنث بالأبله والمعتوه، كما جاء في تفسير ابن جبير لغير ذي الإربة من الرجال، أما على تفسير النووي بأنه المتخلق بأخلاق النساء وكلامهن وحركاتهن، فإنه وإن لم ينكر عليه صفاته، ينكر عليه دخوله على النساء، ويطلب منه أن يحاول تغيير ما هو عليه، لأن النعومة والتكسر والتثني أمور يمكن تقويمها، كما أنه كعاقل مكلف يحرم عليه الاختلاط بالنساء، واكتشافه لمفاتنهن، ولقد فسر المفسرون {التابعين غير أولي الإربة من الرجال} [النور: 31] بأنهم الذين يتبعون، ليصيبوا من فضل الطعام، غير أصحاب الحاجة إلى النساء، وهم الشيوخ الطاعنون في السن، الذين فنيت شهواتهم واختلفوا في الممسوح والمعتوهين الذين لا شهوة عندهم والمجبوب، مقطوع الذكر والخصية، والاختيار أنهما في حرمة النظر كغيرهما من الأجانب.
إن منع هذا المخنث في الحديث لم يكن سببه أنه تبين أنه غير مجبوب أو غير ممسوح، وإنما لأنه تبين أنه له إربة ورغبة في النساء، وأنه يدرك مفاتن المرأة، ويملأ عينه منها، ويمكنه وصفها، فكيف لا يعاب على تصرفاته؟ ولا يحاسب عليها؟ لقد حاسبه صلى الله عليه وسلم بالنفي والإبعاد إلى البيداء، فكان يدخل المدينة كل جمعة يستطعم، إذن لم تكن العلة في إباحة دخوله التخنث، بل