ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي توجيهه وتشريعه أسوة حسنة، فقد كان في عهده صلى الله عليه وسلم مخنث شبه معتوه، يدخل البيوت، يستطعم منها الطعام، ويتكفف قوته بالطواف عليها، لا يتحشم منه نساء، ولا يغار منه رجال، فهو في نظرهم من غير أولي الإربة من الرجال.
فدخل هذا المخنث بيت أم المؤمنين أم سلمة، وعندها أخوها عبد الله بن أبي أمية، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم عليهم، ثم انتحى ناحية بعيدة عنهم، كان ذلك في زمن حصار المسلمين لأهل الطائف، وقد طال الحصار، اختلى المخنث بأخي أم سلمة، ثم قال له إسراراً، يا عبد الله، يا ابن أبي أمية: إذا فتحتم الطائف غداً، فعليك بابنة غيلان. اسأل عنها، فإذا وقعت في السبي فلا تفلت منك، احرص على أن تكون من نصيبك، فإنها من أجمل نساء الطائف، لقد رأيتها، وجلست معها في طوافي بالبيوت، إنها جميلة الوجه، فمها وثغرها الأحمر كالفراولة، وجسمها المملوء لحماً يجذب الرجال، وبطنها يتثنى وينطوي على أربع طيات، تبهر الرجل إذا نظر إليها من الأمام، فإذا نظر إليها من الخلف رأى طرف الطيات الأربع من جهة، وطرفها الآخر من الجهة الأخرى فرآها تقبل بأربع، وتدبر بثمان إن قعدت تثنت، وظهر كل فخذ على حدة، وإن تكلمت تغنت بأحلى غناء، وأرق صوت، وبين رجليها جزء مثل الإناء المقلوب، وسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم يصف ابنة غيلان وصفاً لا يصفه إلا دهاة الرجال وأهل الغزل منهم، فقال في نفسه: سبحان الله! كنا نظنه لا يدرك مفاتن النساء، وليس له فيهن رغبة، ولا يفطن لمحاسنهن، ثم قال له: يا عدو الله، غلغلت النظر إليها؟ قاتلك الله. كنت أحسبك لا تدرك شيئاً من ذلك. لا تدخل من اليوم على النساء، واخرج من المدينة إلى الحمى والصحراء، وقال لأمهات المؤمنين: لا تدخلن مثل هذا عليكن أبداً.
-[المباحث العربية]-
(عن أم سلمة أن مخنثاً كان عندها) قال أهل اللغة: المخنث بكسر النون وفتحها، وهو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته، وقال ابن حبيب: المخنث هو المؤنث من الرجال، وإن لم تعرف منه الفاحشة، مأخوذ من التكسر في المشي وغيره. اهـ يقال: خنث الرجل، بكسر النون، يخنث بفتحها، خنثاً بفتحها، إذا فعل فعل المخنث وتثنى وتكسر، والخنثى في الحيوان فرد تتكون فيه أمشاج الذكر وأمشاج الأنثى، قال العلماء: المخنث ضربان: أحدهما من خلق كذلك، ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن، بل هو خلقة، خلقه الله عليها، الضرب الثاني من المخنث هو من لم يكن له ذلك خلقة، بل يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن، ويتزيا بزيهن، وسيأتي حكم كل منهما في فقه الحديث.
قال النووي: واختلف في اسم هذا المخنث، قال القاضي: الأشهر أن اسمه "هيت" بكسر الهاء بعدها ياء ثم تاء، وقيل: "هنب" بالنون والباء، قاله ابن درستويه، وقال: إنما سواه تصحيف، قال: والهنب الأحمق، وقيل: "ماتع" بالتاء، مولى فاختة المخزومية، وجاء هذا في حديث آخر، ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غرب -ونفى- "ماتعاً" هذا، و"هيتا" إلى الحمى، ذكره الواقدي، وذكر أبو منصور الباوردي نحو الحكاية عن مخنث، كان بالمدينة، يقال له "إنه" وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه إلى حمراء الأسد،