سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره، يوم الجمعة أو غيره، لصلاة أو غيرها، فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته، لهذا الحديث، إلا أن أصحابنا -يقصد الشافعية- استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعاً، يفتي فيه، أو يقرأ قرآناً وغيره من العلوم الشرعية، فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه، وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد للأسواق. اهـ

وقال ابن أبي جمرة: هذا اللفظ عام في المجالس، ولكنه مخصوص بالمجالس المباحة، إما على العموم، كالمساجد ومجالس الحكام والعلم، وإما على الخصوص، كمن يدعو قوماً بأعيانهم إلى منزله، لوليمة ونحوها، وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها، فإنه يقام، ويخرج منها، ثم هو في المجالس العامة ليس عاماً في الناس، بل هو خاص بغير المجانين، ومن يحصل منه الأذى، كآكل الثوم النيء إذا دخل المسجد، والسفيه إذا دخل مجلس العلم أو مجلس الحكم. قال: والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم، المقتضي للضغائن، والحث على التواضع المقتضي للمواددة، وأيضاً فالناس في المباح كلهم سواء، فمن سبق إلى شيء استحقه، ومن استحق شيئاً فأخذ منه بغير حق فهو غصب، والغصب حرام، فعلى هذا قد يكون بعض ذلك على سبيل الكراهة، وبعضه على سبيل التحريم. اهـ

وقال ابن بطال: اختلف في النهي، فقيل: للأدب، وقيل: هو على ظاهره، ولا يجوز لمن سبق إلى مجلس مباح أن يقام منه، واحتج هؤلاء بالحديث الذي أخرجه مسلم -روايتنا السادسة- "إذا قام أحدكم من مجلسه، ثم رجع إليه، فهو أحق به" قالوا: فلما كان أحق به بعد رجوعه، ثبت أنه حقه قبل أن يقوم، وأجاب من حمله على الأدب أن الموضع في الأصل ليس ملكه، قبل الجلوس، ولا بعد المفارقة، فدل على أن المراد بالحقية في حالة الجلوس الأولوية، فيكون من قام تاركاً له قد سقط حقه جملة، ومن قام ليرجع يكون أولى، وقد سئل مالك عن حديث أبي هريرة -روايتنا السادسة- فقال: ما سمعت به، وإنه لحسن إذا كانت أوبته قريبة، وإن بعد فلا أرى ذلك له، ولكنه من محاسن الأخلاق. وقال القرطبي في المفهم: هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب، اختصاص الجالس بموضعه، إلى أن يقوم منه، وما احتج به من حمله على الأدب، لكونه ليس ملكاً له، لا قبل ولا بعد، ليس بحجة، لأنا نسلم أنه غير ملك له، لكن يختص به، إلى أن يفرغ غرضه، فصار كأنه ملك منفعته، فلا يزاحمه غيره عليه، وقال النووي: قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه ليعود إليه، كإرادة الوضوء مثلاً، أو لشغل يسير، ثم يعود، لا يبطل اختصاصه به، وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه.

واختلف. هل يجب عليه؟ على وجهين، أصحهما الوجوب، وقيل: يستحب، وهو مذهب مالك، قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة، دون غيرها، قال: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا.

وقال عياض: اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى، فحكي عن مالك أنه أحق به إذا عرف به، قال: والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان، وليس بحق واجب، ولعله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015