يعرف عمر رضي الله عنه فضله وقدره، فيوليه الكوفة، ولصلاحه ودقته كان بطيء الإنجاز لقضايا الناس، فكانوا يقفون كثيراً على بابه، ينتظرون دورهم، فدعاه عمر، فجاء إلى بابه، فطرقه ونادى: السلام عليكم. هذا عبد الله بن قيس يستأذن، وسمعه عمر وهو مشغول بأمر مهم من أمور الدولة، من الخطر أن يقطعه، فقال في نفسه: هذا استئذان أول، فليستأذن كثيراً، حتى أفرغ من القضية التي أبحثها مع خاصتي، قال في نفسه: فليقف على بابي قليلاً، حتى يحس بالذين يقفون على بابه كثيراً، وبعد لحظة طرق الباب ثانية، ونادى: السلام عليكم. هذا أبو موسى يستأذن. قال عمر في نفسه: هذا هو الاستئذان الثاني، فلندعه حتى يكثر، وبعد لحظة طرق الباب ثالثة، ونادى: السلام عليكم. هذا الأشعري يستأذن. قال عمر في نفسه: وهذا هو الاستئذان الثالث، فماذا سيكون بعده؟ وانتظر عمر لحظات، فلم يسمع طرقاً أو نداء، فقال لمن معه: ألم نسمع صوت عبد الله بن قيس؟ افتحوا له وائذنوا له بالدخول، فتحوا الباب، فلم يجدوه، قالوا: إنه رجع وانصرف. قال: أدركوه، وردوه إلي، فاتبعوه، فلم يحصلوا عليه، وفي اليوم الثاني ذهب أبو موسى إلى عمر، فطرق الباب واستأذن، فأذن له، فدخل، قال له: ما حملك على ما صنعت أمس؟ طلبتك فلم أجدك؟ قال: جئت بالأمس، فاستأذنت ثلاثاً، فلم يؤذن لي، فانصرفت ورجعت، قال: لماذا لم تكرر الاستئذان حتى يؤذن لك؟ يا أبا موسى.

اشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ وأنا أعلم أن الناس يحتبسون على بابك؟ قال أبو موسى: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعلت، وقال "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له، فليرجع" وكان هذا الحديث قد غاب عن عمر، وخفي عليه، فخشي أن يكون الموقف الخطير قد ألجأ أبا موسى بالتخلص، أو خشي أن تتخذ الأحاديث وسيلة للتخلص من المضايق، فيلجأ ضعاف الإيمان والمنافقون لوضعها في المناسبات، فأراد حسم هذا الأسلوب، وإغلاق الباب على وضعة الحديث، فقال: يا أبا موسى. هات شاهداً يشهد بأنه سمع مثلك هذا الحديث، وإلا ضربتك على جنبك وبطنك وظهرك ضرباً موجعاً. فخرج وهو يرتجف، فدخل على مجلس من مجالس الأنصار، فزعاً مذعوراً، قالوا له: ما لك؟ فقال: هل منكم من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له فليرجع"؟ قالوا: وأي شيء في هذا؟ قال: حصل بيني وبين عمر كذا وكذا، فأخذ بعضهم ينظر إلى بعض ويضحكون، ومن أجل هذا تفزع؟ لا تخف فلن يمسك سوء. إن هذا حديث مشهور، سمعناه كلنا، قال أبي بن كعب -وهو صاحب الدار: وما كان لعمر أن يشك فيه، وينذرك هذا الإنذار، لن يشهد لك إلا أصغرنا. قم يا أبا سعيد، فاشهد لأبي موسى عند عمر. فذهب معه أبو سعيد، فشهد أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أستغفر الله، لقد ضاعت مني أحاديث بسبب التجارة والضرب في الأسواق، والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقابله أبي بن كعب، فقال له: يا ابن الخطاب. لا تشتد ولا تكن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك فيهم وفي صدقهم، ولا تتوعدهم بمثل هذا الوعيد، قال له عمر: يا سبحان الله! ! ما أخطأت. سمعت شيئاً لم أحفظه، فأردت أن أتثبت.

ماذا حصل؟ أنا لم أتهم أبا موسى بالكذب، والله إن أبا موسى لأمين على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهت القضية بالحفاظ على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015