أما ما أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث علي رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد. أسميه باسمك؟ وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم" فكان رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب، قال الطبري: في إباحة ذلك لعلي، ثم تكنية علي ولده أبا القاسم، إشارة إلى أن النهي عن ذلك كان على الكراهة، لا على التحريم، قال: ويؤيد ذلك أنه لو كان على التحريم لأنكره الصحابة، ولما مكنوه من أن يكني ولده أبا القاسم أصلاً، فدل على أنهم إنما فهموا من النهي التنزيه، وتعقب بأنهم ربما علموا الرخصة له، دون غيره، كما في بعض طرقه، أو فهموا تخصيص النهي بزمانه صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: وهذا أقوى، لأن بعض الصحابة سمى ابنه محمداً وكناه أبا القاسم، وكذا كني بأبي القاسم محمد بن أبي بكر، وابن سعد، وابن جعفر بن أبي طالب، وابن عبد الرحمن بن عوف، وابن حاطب بن أبي بلتعة، وابن الأشعث بن قيس.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة -بعد أن أشار إلى ترجيح المذهب الرابع من حيث الجواز- قال: الأولى الأخذ بالمذهب الأول، فإنه أبرأ للذمة، وأعظم للحرمة.
2 - وأما التسمي باسمه صلى الله عليه وسلم فقد حكى الطبري مذهبنا بمنعه مطلقاً، ثم ساق "كتب عمر: لا تسموا أحداً باسم نبي" واحتج بعضهم لصاحب هذا القول بما أخرجه البزار وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه رفعه "يسمونهم محمداً، ثم يلعنونهم" وسنده لين، وعلى تقدير ثبوته فلا حجة فيه للمنع، بل فيه النهي عن لعن من يسمى محمداً، قال عياض: والأشبه أن عمر إنما فعل ذلك إعظاماً لاسم النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا ينتهك، وقد كان سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: يا محمد، فعل الله بك وفعل. فدعاه، وقال: لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب بك، فغير اسمه، فسماه عبد الرحمن، وأرسل إلى بني طلحة، وكانوا سبعة ليغير أسماءهم من محمد، فقال له كبيرهم: والله لقد سماني النبي صلى الله عليه وسلم محمداً؟ فقال: قوموا، فلا سبيل لكم" فهذا يدل على رجوعه عن ذلك.
والجمهور على جواز التسمية باسم محمد، بل واستحبه بعضهم.
3 - وأما التسمية بنافع ويسار وأفلح ورباح، فقد ورد النهي عنها في الرواية العاشرة والحادية عشرة، وذكرت الرواية الثانية عشرة "نجيحاً" بدل "نافع" وذكرت الرواية الثالثة عشرة "يعلى" و"بركة" بدل "رباح" قال النووي: قال أصحابنا: يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث، وما في معناها، ولا تختص الكراهة بها وحدها، وهي كراهة تنزيه، لا تحريم، قال النووي: فمعنى قوله "أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن هذه الأسماء" وفي الرواية الثالثة عشرة "أراد أن ينهي عنها نهي تحريم، فلم ينه، والعلة في الكراهة ما بينه صلى الله عليه وسلم في قوله [في الرواية الثانية عشرة] "فإنك تقول: أثم هو؟ أي أهنا هو؟ فلا يكون [موجوداً] فيقول: لا" أي فيقول المجيب: ليس هنا نافع، وليس هنا يسار، ليس هنا أفلح، ليس هنا رباح، ليس هنا بركة، وهذه الجمل كلها غير مستحبة، لما توهمه من نفي هذه الصفات، وإن كان المقصود نفي وجود هذه الأسماء. ومثل ذلك اسم "برة" لما فيه من وصف صاحبه بالبر، والله أعلم بأهل البر، ولما فيه من تزكية نفس صاحبه، والله يقول: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32] ولما فيه من الإيهام السابق، إذا قيل: خرج من