3 - ومن الرواية الثانية المبالغة في امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتناب نهيه، فإن الرجل ترك الخاتم لمن يأخذه من الفقراء أو غيرهم، وكان يمكنه أخذه والتصرف فيه بالبيع وغيره، لكنه تورع عن أخذه، مبالغة في امتثال الأمر.
4 - ومن نزع الرسول صلى الله عليه وسلم الخاتم من يد الرجل إزالة المنكر باليد، لمن قدر عليها.
5 - ومن ترك الرجل للخاتم -وقد أخذه بعض الحاضرين أو تصدق به- جواز التصرف في مال الغير إذا تبين إعراضه عنه، وإباحته للغير.
6 - ومن نبذ الناس خواتمهم، حين نزع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه ما كانت عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به في أفعاله.
7 - ومن اتخاذه واتخاذ أصحابه خاتم الفضة جوازه، قال النووي: أجمع المسلمون على جواز خاتم الفضة للرجال، وكره بعض علماء الشام المتقدمين لبسه لغير ذي سلطان، ورووا فيه أثراً، وهذا شاذ مردود. اهـ
والأثر الذي أشار إليه النووي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي ريحانة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان" وأحاديثنا ترد عليه، فقد جاء أن جماعة من الصحابة والتابعين كانوا يلبسون الخواتم، وهم ليس لهم سلطان، قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى، لأنه ضرب من التزين، واللائق بالرجال خلافه، وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه.
قال الخطابي: ويكره للنساء خاتم الفضة، لأنه من شعار الرجال، قال: فإن لم تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه. قال النووي: وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل لا أصل له، والصواب أنه لا كراهة في لبسها خاتم الفضة.
8 - ومن الرواية الرابعة التبرك بآثار الصالحين، ولبس لباسهم.
9 - وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث، إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الضرورية صدقة للمسلمين، يصرفها ولي الأمر حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس، إكراماً له لخدمته، ومن أراد التبرك به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم لها، فإنها موجودة في الخليفة بعده، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث. كذا قال النووي، وتعقب باحتمال أن الخاتم كان من بيت مال المسلمين، فيئول للحاكم بعده، ولا دخل له بالميراث.
10 - قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء مما كان في خاتم سليمان -عليه السلام- لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان. كذا قيل، وقد بينا قبل ذلك أن عثمان رضي الله عنه حكم بعد ضياع الخاتم ست سنين.