(الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد) "المعي" بكسر الميم، مقصور، وفي لغة بسكون العين بعدها ياء، والجمع أمعاء، ممدود، وهي المصارين، قال أبو حاتم السجستاني المعي مذكر، ولم أسمع من أثق به يؤنثه، فيقول: معي واحدة، لكن قد رواه من لا يوثق به. وفي الرواية الرابعة عشرة "المؤمن يشرب في معي واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء" وفي رواية للبخاري "يأكل المسلم في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء" وفيه أيضاً شك الراوي فيما سمع، هل قال: "الكافر"؟ أو قال "المنافق".
قال الحافظ ابن حجر: واختلف في معنى الحديث، فقيل: ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل، ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء، ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا، والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر [وكأنه من قبيل الكناية، التي هي لفظ أطلق، وأريد منه لازم معناه، لا معناه الحقيقي].
وقيل: المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود، نقله ابن التين.
وقيل: المراد حض المؤمن على قلة الأكل، إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر، ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} [محمد: 12].
وقيل: بل هو على ظاهره، ثم اختلفوا في ذلك على أقوال:
(أ) أحدها أنه ورد في شخص بعينه، واللام عهدية، لا جنسية، جزم بذلك ابن عبد البر، فقال: لا سبيل إلى حمله على العموم، لأن المشاهدة ترفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلاً من مؤمن، وعكسه، وكم من كافر أسلم، فلم يتغير مقدار أكله، قال: وحديث أبي هريرة [روايتنا الرابعة عشرة] يدل على أنه ورد في رجل بعينه، فكأنه قيل: هذا إذ كان كافراً كان يأكل في سبعة أمعاء، فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه، فكفاه جزء من سبعة أجزاء، مما كان يكفيه وهو كافر، وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في مشكل الآثار، فقال: قيل: إن هذا الحديث كان في كافر مخصوص، وهو الذي شرب حلاب السبع شياه.
قال الحافظ ابن حجر: وقد تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر، راوي الحديث [روايتنا الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة] فهم منه العموم، فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيراً من الدخول عليه، واحتج بالحديث، ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما ترجح من تعدد الواقعة، وإيراد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها؟ .
(ب) القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب، وليست حقيقة العدد مرادة، وتخصيص