قال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، قال: ومعنى الحديث: إني لا أقعد متكئاً على الوطاء عند الأكل، فعل من يستكثر من الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزاً. اهـ وأخرج ابن عدي بسند ضعيف "زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل" وأخرج ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي، قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة، مخافة أن تعظم بطونهم.

وقال البيهقي: إن الأكل متكئاً من فعل المتعظمين، وأصله مأخوذ من ملوك العجم اهـ

ويرشح هذا القول ما رواه ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: "أهديت النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فجثا على ركبتيه يأكل، فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً" قال ابن بطال: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعاً لله، ثم ذكر حديثاً مرسلاً أو معضلاً عن الزهري، وصل النسائي نحوه، ولفظه "أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك، لم يأته قبلها، فقال: إن ربك يخيرك بين أن تكون عبداً نبياً، أو ملكاً نبياً، قال: فنظر إلى جبريل، كالمستشير له، فأومأ إليه أن تواضع، فقال: بل عبداً نبياً، قال: فما أكل متكئاً".

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز الأكل متكئاً مطلقاً.

قال الحافظ ابن حجر: وإذا ثبت كونه مكروهاً، أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى، ويجلس على اليسرى. اهـ وأميل إلى أن الآكل لا يتقيد بهيئة خاصة، بل يجلس أو يقف كيفما تيسر له، وكيفما يختار العرف، ما لم يكن في هيئته ضرر صحي يقره الأطباء العدول، وما لم يكن في مظهره كبر يحكم به العرف، وما لم يكن في هيئته سوء أدب أو أذى للغير. والله أعلم.

10 - ومن قوله في الرواية الرابعة "أكلاً حثيثاً" أنه يجوز أن يسرع الإنسان في الأكل، ليلحق بشغل آخر، على أن لا يكون في ذلك إيذاء لمن معه، وأن يكون لغرض يقره الشرع.

11 - ومن الرواية الخامسة النهي عن قرن تمرتين عند الأكل، وكذا الرطب والزبيب والعنب ونحوها، ومثله جمع لقمتين، أو تكبير اللقمة، وذلك لأنه من مظاهر الشره وفيه إيذاء للشركاء في الأكل، قال النووي: واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم، أو الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب، والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضا بتصريحهم به، أو بما يقوم مقام التصريح، من قرينة حال، أو إدلال عليهم كلهم: بحيث يعلم يقيناً أو ظناً قوياً أنهم يرضون به، ومتى شك في رضاهم فهو حرام، وإن كان الطعام لغيرهم، أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فإن قرن بغير رضاه فحرام، ويستحب أن يستأذن الآكلين معه، ولا يجب، وإن كان الطعام لنفسه، وقد ضيفهم به، فلا يحرم عليه القران، ثم إن كان في الطعام قلة فحسن ألا يقرن، لتساويهم، وإن كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015