الأطعمة- وأما رواية "لا يدري أيتهن البركة" فمعناه أيتهن صاحبة البركة، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وقال: أصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا -والله أعلم- ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويقوى على طاعة الله تعالى، وغير ذلك.
وقد جاء الحديث الصحيح بهذا التعليل، فلا يعدل عنه، لكن ذكر علة لا يمنع من أن تكون هناك علة أخرى، فقد يكون للحكم علتان فأكثر، والتنصيص على واحدة لا ينفي غيرها، وقد أشارت الرواية السابعة والثامنة إلى علة أخرى، وأن الشيطان يحضر الطعام، فإذا سقطت لقمة -أو تركت بقايا الأطعمة على الأيدي أو في القصعة، سهلت للشيطان طعامه وشرابه وإقامته، وقد أضاف القاضي عياض علة أخرى، فقال: إنما أمر بذلك لئلا يتهاون بقليل الطعام.
(إذا وقعت لقمة أحدكم) من يده على الأرض، فأصابها أذى.
(فليمط ما كان بها من أذى) "يمط" بضم الياء، أي يزيل وينحي، وحكى بعضهم: ماطه وأماطه، فيصح في المضارع فتح الياء، وقال الأصمعي: أماطه لا غير، ومنه إماطة الأذى، والثلاثي لازم، يقال: مطت أنا عنه، أي تنحيت، والمراد بالأذى هنا المستقذر، من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك.
(ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه) مما علق بها من طعام، ليقلل من تدنيس المنديل، والمنديل معروف، وهو بكسر الميم، قال أهل اللغة: لعله مأخوذ من الندل، وهو النقل، وقيل: مأخوذ من الندل وهو الوسخ، لأنه يندل به، يقال: تندلت بالمنديل، وتمندلت به، وأنكر الكسائي تمندلت.
وذكر القفال في محاسن الشريعة أن المراد بالمنديل هنا المنديل المعد لإزالة الزهومة، لا المنديل المعد للمسح بعد الغسل.
(وأمرنا أن نسلت القصعة) أي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، و"نسلت" بفتح النون، وضم اللام، ومعناه نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام، ومنه سلت الدم عن جبهته، إذا مسحه.
(وقال: في أي طعامكم البركة، أو يبارك لكم) أي قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة، أو قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم يبارك لكم. شك من الراوي في أي اللفظين سمع.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل، منها:
1 - استحباب لعق اليد محافظة على بركة الطعام، وتنظيفاً لها.
2 - واستحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر.