قال الخطابي: كانت العادة جارية لملوك الجاهلية ورؤسائهم بتقديم الأيمن في الشرب، حتى قال عمرو بن كلثوم، في قصيدة له:
وكان الكأس مجراها اليمينا.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أن تلك العادة لم تغيرها السنة، وأنها مستمرة، وأن الأيمن يقدم على الأفضل في ذلك، ولا يلزم من ذلك حط رتبة الأفضل، وكان ذلك لفضل اليمين على اليسار، وقال الحافظ ابن حجر: إن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه، بل لمعنى في جهة اليمين، وهو فضلها على جهة اليسار، فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحاً لمن هو على اليمين، بل هو ترجيح لجهته.
وقد يتعارض ظاهر هذا مع الأمر بتقديم الأفضل، وهو المسألة الأولى التي تعرضنا لها في أول فقه الحديث، فعند البخاري في القسامة حين تكلم الصغير بحضور الكبير قال له صلى الله عليه وسلم "الكبر الكبر" وفي رواية "كبر. كبر" وفي رواية "يبدأ الأكبر" وفي الطهارة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناولة السواك الأكبر، وأخرج أبو يعلى بسند قوي، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: ابدءوا بالكبير" ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساويين، إما بين يدي الكبير، أو عن يساره كلهم، أو خلفه، فتخص هذه الصورة من عموم الأيمن، أو يحمل على أن الابتداء يكون بالأكبر، كرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث الأيمن في إدارة الشراب بعد الأكبر.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
1 - من الرواية الأولى، من قوله "والذي نفسي بيده" جواز الحلف من غير استحلاف.
2 - من قوله "إن يده في يدي مع يدها" ومن قوله في الرواية الثالثة "فإن الشيطان يأكل بالشمال" أن للشيطان يدين.
3 - وأنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين والكفار.
4 - وأن الشيطان يأكل ويشرب.
5 - ومن الرواية السادسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال، حتى في حال الأكل.
6 - جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر.
7 - ذم الكبر، وما يترتب عليه.
8 - استحباب تعليم الآكل آداب الأكل، إذا خالفها.
9 - ومن الرواية السابعة والثامنة تدريب الصبيان وتعليمهم آداب الطعام.
10 - وفيها منقبة لعمر بن أبي سلمة، وحرصه على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ورد عند البخاري، من قوله "فما زالت تلك طعمتي بعد".
11 - استنبط بعضهم من قوله "الأيمن فالأيمن" في الرواية الثالثة والعشرين أن السنة إعطاء من على اليمين، ثم الذي يليه، وهلم جرا.