ودرجة حرصه على ثواب الآخرة، لكنها أمرت برعاية الفقير بقوله تعالى {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28] وكان هذا الأمر الإلهي مجالاً لاجتهاد الفقهاء في القدر المستحب إعطاؤه للفقير من الأضحية، فذهب بعضهم إلى أن المستحب أن يأكل صاحب الأضحية هو وأهله نصفها، ويتصدق بنصفها، وذهب بعضهم إلى أن المستحب أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، هذا هو المستحب الذي يثاب المسلم على مقداره، أما القدر الواجب فهو الصدقة بأي جزء، صغر أو كبر، على معنى أنه لو لم يعط الفقير منها أصلاً كان حراماً، وعوقب على ذلك يوم القيامة.

وفي وقت من أوقات الشدة، والضيق الاقتصادي، وكثرة المحتاجين، وقسوة حاجتهم فرض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على الأغنياء المضحين أن يعطوا الفقراء، ما يزيد عن حاجتهم في ثلاثة أيام، فقال: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة، وعنده منه شيء" كان المسلمون حينذاك يدخرون من الأضحية قوتهم لشهور، فأمروا في عام شدة أن لا يمسكوا منها، وأن لا يدخروا منها إلا ما يكفيهم ثلاثة أيام ثم يتصدقوا بالباقي، وامتثل المسلمون، فلما كان العام المقابل سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نفعل في أضحيتنا كما فعلنا العام الماضي؟ لا نمسك منها شيئاً بعد ثلاث ليال؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا. كان العام الماضي عام شدة، فكان له حكمه، أردت فيه أن تعينوا الفقراء على شدتهم، وهذا العام عام رخاء، فكلوا منها، وادخروا منها بعد ثلاث، لكن لا تصدقوا منها بما ترجون عليه الأجر من الله تعالى.

-[المباحث العربية]-

(عن أبي عبيد) بضم العين وفتح الباء، واسمه سعد بن عبيد، مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وينتسب أيضاً إلى عبد الرحمن بن عوف، مات سنة ثمان وتسعين.

(شهدت العيد مع علي بن أبي طالب) في الرواية الثانية "أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب. قال: ثم صليت مع علي بن أبي طالب" وفي رواية البخاري "أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فقال: يا أيها الناس. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نسككم. قال أبو عبيد: ثم شهدت مع عثمان بن عفان، فكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب، فقال: يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له، قال أبو عبيد: ثم شهدته مع علي بن أبي طالب، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث".

فالمراد من العيد في الرواية الأولى والثانية، عيد الأضحى، والمراد أنه شهد صلاة العيد وخطبته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015