قال الحافظ ابن حجر: ثم وجدت في الحديث زيادة لفظة سقطت من رواية مسلم، وبها يتجه إنكار ابن عباس، ويستغنى عن تأويل ابن العربي: "لا آكله" و"لا أحله" وذلك أن أبا بكر بن أبي شيبة وهو شيخ مسلم فيه، أخرجه في مسنده بالسند الذي ساق به عند مسلم، فقال في روايته "لا أكله، ولا أنهى عنه، ولا أحله، ولا أحرمه" ولعل مسلماً حذفها عمداً لشذوذها، لأن ذلك لم يقع في شيء من الطرق، لا في حديث ابن عباس ولا غيره، وأشهر من روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا آكله ولا أحرمه" رواية ابن عمر، وليس في حديثه "لا أحله" بل جاء التصريح عنه بأنه حلال، فلم تثبت هذه اللفظة، وهي قوله "لا أحله" لأنها وإن كانت من رواية يزيد بن الأصم، وهو ثقة، لكنه أخبر بها عن قوم، كانوا عند ابن عباس، فكانت رواية عن مجهول، ولم يقل يزيد بن الأصم: إنهم كانوا صحابة، حتى يغتفر عدم تسميتهم.

(لا تطعموه، قذره) قول جابر: "لا تطعموه" ميل منه أن يعافه أصحابه، ولا يقصد بذلك التحريم أو الكراهة، بل لأنه قذر منظراً، وقوله "وقذره" الواو استئنافية، و"قذره" بفتح القاف وكسر الذال وفتح الراء، فعل ماض، يقال: قذر الشيء بكسر الذال يقذره، بفتح الذال، وجده قذراً، وكرهه لوسخه، ويقال: قذر الشيء بفتح الذال، يقذره بضمها، جعله قذراً، كقذره بتشديد الذال.

(لعله من القرون التي مسخت) في الرواية الرابعة عشرة "ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت" وفي الرواية الخامسة عشرة "إن الله لعن -أو غضب على سبط" أي قبيلة "من بني إسرائيل، فمسخهم دواب، يدبون في الأرض، فلا أدري، لعل هذا منها" قال النووي: أما "يدبون" فبكسر الدال، وأما "دواب" فكذا وقع في بعض النسخ، ووقع في أكثرها "دواباً" بالألف، والأول هو الجاري على المعروف المشهور في العربية. اهـ يقصد أنها صيغة منتهى الجموع "فواعل" ممنوع من الصرف.

قال الطبري: ليس في الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ، إنما خشي أن يكون منهم، فتوقف عنه، وإنما قال ذلك قبل أن يعلمه الله تعالى أن الممسوخ لا ينسل، وبهذا أجاب الطحاوي، ثم ساق حديث "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير: أهي مما مسخ؟ قال: إن الله لم يهلك قوماً -أو يمسخ قوماً- فيجعل لهم نسلاً ولا عاقبة".

(فإنما طعام عامة الرعاء منه) "الرعاء" بكسر الراء، آخره همزة كالرعاة، آخره تاء، جمع راع، وهو من يحفظ الماشية ويرعاها.

(إنا بأرض مضبة) قال النووي: فيها لغتان مشهورتان: إحداهما فتح الميم والضاد، والثانية ضم الميم وكسر الضاد، والأول أشهر وأفصح، أي يكثر فيها الضب. اهـ وفي الرواية الخامسة عشرة "إني في غائط مضبة" والغائط الأرض المطمئنة المنخفضة.

(وإنه عامة طعام أهلي) أي وإن الضب أكثر طعام أولادي. فما حكم أكلنا الضب؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015