شيء من اللبن والسمن، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى إناء الضب، على أنه لحم مما يقدم إليه عادة، وفاته أن يسأل عن نوع هذا اللحم، ولا عن مصدره، كما كان يسأل عادة، وكانت زوجه ميمونة تعلم أن هذا اللحم غير مألوف لسكان المدينة ولا مكة، وتوقعت أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم ستعافه، إذا علم حقيقته، فنادت من داخل البيت: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدم له من لحم، فلما لم تسمع من يخبره بذلك قالت: إنه الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، وأحجم عن أكله، قال له خالد بن الوليد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه ليس مألوفاً لي، وليس بأرض قومي، فنفسي تعافه. كلوا. أنا لا أحرمه، لكنني لا آكله، فهجم عليه خالد بن الوليد، وأكل منه بشهوة، كما أكل معه الفضل وحفيدة، وامتنعت من أكله أم المؤمنين ميمونة، وقالت: أنا لا آكل من شيء لا يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب) أي عن أكل الضب، وفي الرواية الثانية "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب" وفي الرواية الثالثة "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو على المنبر- عن أكل الضب" وفي الرواية الخامسة "قام رجل في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر" قال الحافظ ابن حجر: هذا السائل يحتمل أن يكون خزيمة بن جزء، فقد أخرج ابن ماجه من حديثه "قلت: يا رسول الله، ما تقول؟ فقال: لا آكله، ولا أحرمه. قال: قلت: فإني آكل ما لم تحرمه". أما الرجل المبهم في الرواية الرابعة عشرة والخامسة عشرة، فيمكن أن يفسر بثابت بن وديعة، فقد أخرج أبو داود والنسائي من حديثه، قال: "أصبت ضبابا، فشويت منها ضباً، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب ... ".

و"الضب" دويبة تشبه الجرذون، قال الحافظ ابن حجر: لكنه أكبر من الجرذون، ويكنى أبا حل، بكسر الحاء وسكون اللام، ويقال للأنثى ضبة، وذكر ابن خالويه: أن الضب يعيش سبعمائة سنة، وأنه لا يشرب الماء، ويبول في كل أربعين يوماً قطرة، ولا يسقط له سن، ويقال: بل أسنانه قطعة واحدة، وحكي غيره أن أكل لحمه يذهب العطش، ومن الأمثال "لا أفعل كذا حتى يرد الضب" يقوله من أراد أن لا يفعل الشيء، لأن الضب لا يرد الماء، بل يكتفي بالنسيم وبرد الهواء، ولا يخرج من جحره في الشتاء. والجرذون، والجرذ بضم الجيم وفتح الراء الكبير من الفئران، وجمعه جرذان بضم الجيم وكسرها مع سكون الراء.

وفي كتب اللغة: الضب حيوان من جنس الزواحف، من رتبة العظاء المعروفة في مصر بالسحلية، وفي سواحل الشام بالسافية، ومن أنواعها الضب، وسوام أبرص غليظ الجسم، خشنه، وله ذنب عريض حرش أعقد، يكثر في صحاري الأقطار العربية، وصورتها في كتب اللغة تشبه العظاءة، ولا تشبه الجرذون، كما قال الحافظ ابن حجر.

(لست بآكله، ولا محرمه) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة، معطوف على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015