ألفوا وعرفوا، ولم يكونوا يعرفون أكل الخيل، لعزتها في بلادهم، بخلاف الأنعام، فإن أكثر انتفاعهم بها كان لحمل الأثقال وللأكل، فاقتصر في كل من الصنفين على الامتنان بأغلب ما ينتفع به، فلو لزم من ذلك الحصر في هذا الشق للزم مثله في الشق الآخر.
8 - أعل بعض الحنفية حديث جابر، بما نقله عن ابن إسحق أنه لم يشهد خيبر، وأجاب الحافظ ابن حجر بأن ذلك ليس بعلة، لأن غايته أن يكون مرسل صحابي.
9 - زعم بعضهم أن حديث أسماء [روايتنا السابعة عشرة] ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك.
ويجيب المبيحون بأن لفظ رواية الدارقطني "فأكلناه نحن وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم" مما يفيد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أن ذلك لو لم يرد لم يظن بآل أبي بكر أنهم يقدمون على فعل شيء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا وعندهم العلم بجوازه، لشدة اختلاطهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعدم مفارقتهم له، هذا مع توفر داعية الصحابة إلى سؤاله عن الأحكام، ومن ثم كان الراجح أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع، لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره، وإذا كان ذلك في مطلق الصحابي، فكيف بآل أبي بكر الصديق؟
أما لحوم الحمر الأهلية فقال النووي: اختلف العلماء في المسألة، فقال الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بتحريم لحومها، لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وقال ابن عباس: ليست بحرام، وعن مالك ثلاث روايات: أشهرها أنها مكروهة كراهية تنزيه شديدة، والثانية أنها حرام، والثالثة أنها مباحة، والصواب التحريم، كما قاله الجماهير، للأحاديث الصريحة.
قال: وأما الحديث المذكور في سنن أبي داود عن غالب بن أبجر قال: أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي شيء، أطعم أهلي، إلا شيء من حمر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أصابتنا السنة، فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية؟ فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية" يعني بالجوال التي تأكل الجلة، وهي العذرة.
قال النووي: فهذا الحديث مضطرب، مختلف الإسناد شديد الاختلاف، ولو صح حمل على الأكل منها في حال الاضطرار.
وروى البخاري عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد أبي الشعثاء: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية؟ فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وقرأ {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً .... } وفي رواية ابن مردويه وصححه الحاكم عن ابن عباس، قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله نبيه، وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فيه فهو حلال، وما حرم فيه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه الآية {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً .... } إلى آخرها.
قال الحافظ ابن حجر: والاستدلال بهذه الآية للحل إنما يتم فيما لم يأت فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم