وأخرج أبو داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سئل عن أكل القنفذ، فقرأ الآية، وأخرج ابن أبي حاتم وغيره بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير قالت: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً ... } إلى آخر الآية.

وأخرج أبو داود أيضاً عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ليس من الدواب شيء محرم إلا ما حرم الله تعالى في كتابه {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً ... }

ويقول بعضهم: إن الدليل قائم على الفرق بين تحريم كل ذي ناب، وتحريم الخنزير، ولذا اختلف الصحابة في كل ذي ناب، ولم يختلفوا في تحريم الخنزير، فدل ذلك على أن النهي عن أكل كل ذي ناب للكراهة، لا للتحريم، قالوا: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجاز أكل الضبع، وأخرجه الحاكم من حديث جابر، وقال صحيح الإسناد، وهو ذو ناب، فدل بهذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالنهي عن كل ذي ناب من السباع الكراهة، وليس التحريم.

ويقوي بعضهم هذا المذهب، ويقول: إن الحديث المحرم ليس من قبيل تخصيص الآية، كما زعموا، بل هو صريح النسخ، لأنها لما كان معناها: أن لا محرم سوى الأربعة، فإثبات محرم آخر قول بأن الأمر ليس كذلك، وهو رفع للحصر، ونسخ القرآن بخبر الواحد غير جائز.

ويقول الإمام الرازي: إن كثيراً من الفقهاء خصوا عموم هذه الآية بما نقل أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما استخبثته العرب فهو حرام" وقد علم أن الذي تستخبثه غير مضبوط، فسيد العرب، بل سيد العالمين عليه الصلاة والسلام، لما رآهم يأكلون الضب قال: "يعافه طبعي" ولم يكن ذلك سبباً لتحريمه، وأما سائر العرب ففيهم من لا يستقذر شيئاً، وقد يختلفون في بعض الأشياء، فيستقذرها قوم، ويستطيبها آخرون، فعلم أن أمر الاستقذار غير مضبوط، بل هو مختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فكيف يجوز نسخ هذا النص القاطع بذلك الأمر الذي ليس له ضابط معين ولا قانون معلوم.

ثم قال: فثبت بالتقرير الذي ذكرناه قوة هذا الكلام، وصحة هذا المذهب، وهو الذي يقول به مالك بن أنس. والله أعلم.

(إضافة) اختلف الناس في حل أكل لحم الضبع، فروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضبع، وعن ابن عباس إباحة أكل الضبع، وكذا أباح عطاء والشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور أكل الضبع والثعلب، وقالوا: إن نابهما ضعيف، واستدلوا بما أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال: هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم".

فقد جعله صلى الله عليه وسلم صيداً، ورأى فيه الفداء، فأباح أكله كالظباء والحمر الوحشية وغيرها من أنواع صيد البر، فقوله "هو صيد" دليل على أن من السباع والوحش ما ليس بصيد، فلم يدخل تحت قوله {وحرم عليكم صيد البر} [المائدة: 96].

وكره أكله الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك، واحتجوا بأن الضبع سبع ذو ناب، وحديث النهي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015