في حاجة إلى من يحميها ويحرسها، كما كان المجاهدون يخشون أن يتركوا من خلفهم ذرية ضعافا ونساء ضعيفات، فكان لا بد من سد هذه الثغرة البشرية، وعلاج هذه الظاهرة الطبيعية، فعالجها الإسلام من شعبتين:

الأولى: أنه أوصى القاعدين بأن يخلفوا المجاهدين في أهلهم ومالهم بخير، ولهم من الأجر مثل ما للمجاهدين، وجعل لنساء المجاهدين من الحرمة على القاعدين كحرمة أمهاتهم، فمن زنى من القاعدين بامرأة مجاهد كان كمن زنى بأمه، وجعل حق المجاهد عند هذا الخائن أعلى من أي حق من حقوق الآدميين، فكل حق من حقوق الآدميين له قدر ووزن معلوم، يستوفيه المظلوم من ظالمه يوم القيامة أما خيانة المجاهد في أهله فلا حدود لجزائها إذ يوقف الله تعالى هذا الخائن يوم القيامة ذليلا أمام المجاهد، وقد فتح كتاب حسنات هذا الخائن، ليقال للمجاهد: خذ من حسنات هذا الخائن ما شئت، فماذا نظن بالمجاهد؟ كم من الحسنات يأخذ؟ أخشي على جميع حسنات هذا الخائن إن فني ما قدم من حسنات، أخذ من سيئات المجاهد، فطرحت عليه، فطرح في النار.

الشعبة الثانية مسارعة كبار الصحابة إلى أرملة الشهيد، يعرضون عليها الزواج لرعايتها ورعاية أولادها من بعد العائل الشهيد، كما حدث للسيدة أم سلمة، إذ تقدم لها عمر، ثم أبو بكر، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما كان للجهاد عنصران أساسيان، لا يتم بنجاح إلا بهما: عنصر المقاتل الآدمي، وعنصر المال المادي لتجهيزه بما يحتاج من نفقة أو ركوبة أو سلاح، ولهذا يقول الله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة: 111] ويقول {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60].

ولما كان بعض المسلمين يملك القوة البشرية والمال، فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وكان بعضهم يملك نفسه والقوة البشرية، ولا يملك القوة المالية، فكانوا يذهبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقدمون أنفسهم للجهاد، ويطلبون منه أن يحملهم، فيقول لهم: {لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92].

ولما كان بعض المسلمين يمنعه المرض والعذر عن الخروج، وعنده المال، كان من يجاهد بماله كمن يجاهد بنفسه ومن جهز غازيا فقد غزا، ومن قدم ناقة في سبيل الله ليغزو عليها مجاهد كان له بها يوم القيامة سبعون ناقة، كل ناقة لا تقل عن التي قدمها، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

-[المباحث العربية]-

(جاء رجل بناقة مخطومة) أي فيها خطام، وهو حبل يلف حول أنف الناقة يشد على أعلى رأسها، لتقاد به، وهو قريب من الزمام، والمراد بهذا الوصف إفادة أنها ذلول صالحة للحمل والركوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015