ولا يلزم من كونهم مغفورا لهم، وأنهم أفضل المجاهدين ألا يكون وراءهم مرتبة أخرى، ودرجة أعلى من درجتهم.
وأكد الحافظ ابن حجر هذا المعنى ووضحه، فقال: لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجرا مما لو لم يحصل لهم الغنيمة أن يكونوا في حال أخذ الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كما شهد أحدا، لكونهم لم يغنموا شيئا، بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده، وإنما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار، وكانت مبدأ اشتهار الإسلام، وقوة أهله، فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي التي بعدها جميعا، فصارت لا يوازيها شيء في الفضل، ولهذه النقطة مزيد إيضاح في باب يأتي، بعنوان: باب ثواب من غزا فغنم، ومن غزا فلم يغنم. والله أعلم.
النقطة الثانية: الشهادة وفضلها
وعن ذلك تقول الرواية السادسة "ما من نفس تموت، لها عند الله خير، يسرها أن ترجع إلى الدنيا، ولا أن لها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع، فيقتل في الدنيا، لما يرى من فضل الشهادة".
وتقول الرواية السابعة "ما من أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة".
ويقول ملحق الرواية الرابعة "والذي نفسي بيده. لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا".
وتقول الرواية السادسة عشرة "أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم ... وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك" وتقول الرواية السابعة عشرة "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" ونحوها في الرواية الثامنة عشرة.
وتقول الرواية التاسعة عشرة "سألنا عبد الله عن هذه الآية {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا" وعند النسائي والحاكم "يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقول الله تعالى: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقول: سل وتمنه، فيقول: ما أسألك وأتمنى؟ أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما رأى من فضل الشهادة" وعند الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه من حديث جابر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟ قال: يا عبد الله، تمن علي أعطك. قال: يا رب، تحييني، فأقتل فيك ثانية، قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون".