يتوقفون، ويحاولون التخفيف عن مضاعفات جروح أرجلهم بخرق يلفون بها أقدامهم، ويعصبونها على جروحهم، وكانت حالهم هذه حال كثير من الصحابة، فأطلقوا على غزوتهم هذه اسم غزوة ذات الرقاع، للرقع التي كانوا يلفون أقدامهم بها، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
-[المباحث العربية]-
(غزوة ذات الرقاع) يقال: رقع الثوب بفتح القاف مخففة، يرقع بفتحها أيضا رقعا بسكونها، ورقعة بفتح الراء وسكون القاف، أصلحه بالرقعة بضم الراء وسكون القاف، وأرقع بالهمز، ورقع بالتضعيف بمعنى رقع بالتخفيف، والرقاع جمع رقعة.
وفي سبب تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم قال أبو موسى رضي الله عنه في الحديث: "فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق" قال النووي: هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقيل: سميت بذلك بجبل هناك، فيه بياض وسواد وحمرة، وقيل: سميت باسم شجرة هناك، وقيل: لأنه كان في ألويتهم رقاع، ويحتمل أنها سميت بالمجموع. اهـ. وقيل: بشجر هناك يقال له: ذات الرقاع، وهذا هو مراد النووي بكلمة "شجرة" أي جنس شجرة، وقيل: بل الأرض التي نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض، قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون لفظ "خيل" قد تصحف من لفظ "جبل".
(ونحن ستة نفر) النفر من الثلاث إلى التسع، فالإضافة بيانية، والمعنى ستة أي نفر. وفي رواية البخاري "ونحن في ستة نفر" أي كان أبو موسى ضمن ستة من الأشعريين في جيش هذه الغزوة.
(بيننا بعير نعتقبه) أي يركبه الواحد منا عقب الآخر، لكل واحد منهم نوبة، يركب هذا قليلا، ثم ينزل، فيركب الآخر، بالنوبة حتى يأتي سائرهم، والمقصود إظهار الشدة والمشقة الحاصلة لهم من طول المسافة، وشدة حرارة رمل الصحراء.
(فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي) بفتح النون وكسر القاف، أي رق جلدها، وقرحت من الحفاء وطول السير عليها. يقال: نقب بكسر القاف ينقب بفتحها، أي تخرق، ونقب خف البعير أي رق، وقوله "فنقبت قدماي" بعد قوله "فنقبت أقدامنا" من ذكر الخاص بعد العام لمزيد عناية بهذا الخاص، ولرفع توهم أن النقب أصاب البعض، أو أصاب إحدى قدميه.
(وسقطت أظفاري) أي أظفار أصابع قدمي.
(فكنا نلف على أرجلنا الخرق) بكسر الخاء وفتح الراء، جمع خرقة، وهي القطعة من الثوب الممزق وذلك لاتقاء حرارة الرمال، ولوقاية جروح الأقدام من الاحتكاك بالحجارة.