فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} [الأنفال: 16] {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} [محمد: 4] {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} [محمد: 31] {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} [محمد: 35] {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا} [الفتح: 22] {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} [البقرة: 193] {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون* وإما تخافن من قوم خيانة
فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} [الأنفال: 57، 58] {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال: 65] {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} [التوبة: 5] {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين* ويذهب غيظ قلوبهم} [التوبة: 14] ولم يكن قتال المسلمين لشهوة القتال وإراقة الدماء. وإنما كان للدعوة إلى الله، فمن آمن وأسلم عصم دمه وماله وعرضه، ومن استسلم ولم يقاتل، ودخل في حماية المسلمين وتحت ولايتهم، وأراد أن يبقى على دينه وله مالهم، وعليه ما عليهم، دفع الجزية، مقابل حمايته والدفاع عنه، فلا إكراه في الدين، وما أكذب الذين يدعون أن الإسلام نشر بالسيف.
الحق أن الإسلام نشر بشريعته الحكيمة السمحة، وما دخل الناس في دين الله أفواجا إلا عن اقتناع وحب لتعاليمه، ويكفيه مثلا في العفو عن المسيئين، والتسامح مع المحاربين ما حصل منه يوم فتح مكة، وقوله لمن آذى وقاتل، وقتل من المسلمين من قتل، أن قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
إن الإسلام دين اللين، لا دين القسوة، دين السلام لا دين الحرب {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} [الأنفال: 61] دين حرية العقيدة، لا دين القهر والإرهاب، دين الرحمة بالضعفاء لا يقتل صبيا ولا امرأة ولا شيخا عجوزا من الأعداء.
هكذا كانت تعاليمه عند القتال، بل حتى بعد القتال، وبعد النصر على الأعداء، وبعد أخذ الغنائم والسبي، إذا دخل من كانوا حاربوا في دين الله وأسلموا ردت إليهم أموالهم وسباياهم، وعاشوا أحرارا آمنين.
لقد غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين غزوة في تسع سنين، وقاد جند الله في معاركه مع الكفر، وكان أشجع الناس، وأثبت الناس في الحرب، كما كان البلسم الشافي المداوي في السلم، جرح وكسرت سنه، وسال الدم على وجهه الشريف، فما وهن، وما ضعف، وما استكان، بل صبر وكافح، وجاهد في الله حق جهاده، حتى جاء نصر الله والفتح ورأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربه واستغفره، حتى أتاه اليقين.
صلى الله وسلم عليك يا رسول الله، نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، فجزاك الله عن الأمة وعن الإسلام خير الجزاء. والحمد لله رب العالمين.