الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا} وفرقة صاروا حيارى، لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل، فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه، أو يستمر في القتال حتى يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة تثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئا فشيئا، لما عرفوا أنه حي. وبهذا يجمع بين الأخبار المختلفة في عدة من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم) هو زيد بن سهل الأنصاري، زوج والدة أنس، وكان أنس قد حمل هذا الحديث عنه.
(مجوب عليه بحجفة) "مجوب" بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة، أي مترس عليه بترس، ليقيه سلاح الكفار، وعند البخاري "مجوب عليه بحجفة له" والحجفة الترس ويقال للترس جوبة.
(وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع) بفتح النون وسكون الزاي، أي شديد رمي السهم.
(وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا) من شدة الرمي.
(فكان الرجل يمر ومعه الجعبة من النبل، فيقول) صلى الله عليه وسلم للرجل: .... والجعبة بفتح الجيم، وضمها مع سكون العين، وهي الآلة التي يوضع فيها النبل.
(انثرها لأبي طلحة) أي أعط ما معك من النبل لأبي طلحة ليرمي به.
(ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي على القوم، يقال: أشرف على الشيء، أي اطلع عليه من فوق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه إلى أعلى، ويتطاول ليرى الأعداء.
(ينظر إلى القوم) المشركين.
(فيقول أبو طلحة: يا نبي الله بأبي أنت وأمي) أي أفتديك أنت بأبي وأمي.
(لا تشرف) أي لا ترفع رأسك إلى أعلى، بضم التاء وسكون الشين من الإشراف.
(لا يصبك سهم من سهام القوم) بإسكان الباء، على أن "لا" ناهية، وفي رواية البخاري "لا تشرف يصبك" بالجزم في جواب النهي، كذا قال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني، وجمهور النحاة يشترطون لصحة الجزم في جواب النهي أن يصح دخول "إن" قبل "لا" مع صحة المعنى، وهنا لا يصح أن يقال: إن لم تشرف يصبك سهم" وفي بعض الروايات" "يصيبك" بالرفع، قال الحافظ: وهو جائز على تقدير، كأنه قال مثلا: لا تشرف فإنه يصيبك.
(نحري دون نحرك) أي أفديك بنفسي، وأصل النحر أعلى الصدر، أي رقبتي قبل رقبتك وفداء لرقبتك.