عليه مفاسد عظيمة ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لكونها كانت أهم الأمور كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك وليس لهم من يفصل الأمور فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء. اهـ.
وهذا توجيه سديد فقد أمرنا بحسن الظن بالصحابة أجمعين والدوافع البشرية وما يقع في الصدور وما يبعث على تصرف من التصرفات أمور يعلمها الله وما جاء على لسان علي رضي الله عنه في كتب الشيعة من نقد البيعة لأبي بكر والاعتراض عليها وأحقيته لها لا يعتد به. والله أعلم.
29 - ومن قول علي رضي الله عنه لأبي بكر "أن ائتنا" جواز طلب حضور الخليفة إلى منزل وجيه من الوجهاء وأن ذلك لا يعد استكبارا وتعاليا على الخليفة بل قد يكون نوعا من التقارب والإدلال المقبول.
30 - ومن استجابة أبي بكر لهذا المطلب تواضع أبي بكر وسماحته وحسن خلقه ولين طبعه وجميل فعله مع رعيته.
31 - ومن طلب علي من أبي بكر ألا يكون معه أحد جواز مثل ذلك حرصا على نجاح مهمة الصلح فقد علم وعلموا شدة عمر وجهره بما يرى أنه الحق وحدته حين يرى أو يسمع ما لا يرضيه ومجلس الصلح لا يخلو من نحو هذا فخاف على أن ينتصر عمر لأبي بكر فيتكلم بكلام يثير نفس علي ويوحش قلبه على أبي بكر وكانت قلوبهم قد طابت عليه وانشرحت له فخاف أن يكون حضور عمر سببا لتغيرها.
32 - ومن قول عمر لأبي بكر" والله لا تدخل عليهم وحدك" حرص عمر على حماية الخليفة ووقايته مما يسيء إليه ولو بكلمة لأنه خاف أن يغلظوا لأبي بكر في المعاتبة اعتمادا على لينه وصبره عن الرد عن نفسه ولو حضر عمر لأحجموا عن الإغلاظ.
33 - ومن تحنيث أبي بكر لعمر في حلفه دليل على أن إبرار القسم إنما يؤمر به الإنسان إذا أمكن احتماله بلا مشقة ولا تكون فيه مفسدة وعلى هذا يحمل حديث الحث على إبرار القسم.
34 - ومن مبايعة علي لأبي بكر صحة خلافة أبي بكر وانعقاد الإجماع عليها.
35 - ومن حديث أبي هريرة -روايتنا التاسعة- دلالة على صحة وقف المنقولات وأن الوقف لا يختص بالعقار لعموم قوله "ما تركت بعد نفقة نسائي".
36 - ومن عموم هذه الأحاديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم وما تركه صدقة تخصيص السنة القرآن فهذه الأحاديث تخصص قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] إما بعدم دخوله صلى الله عليه وسلم في الخطاب لما عرف من كثرة خصائصه وإما بتخصيص الممتلكات التي تركها المتوفى فإذا ثبت أن المتوفى وقف شيئا قبل موته فإنه لا يدخل في الميراث وإن كان مما ترك.
والله أعلم.