(بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) التبشير في الأصل الإخبار بخبر يظهر أثره على البشرة خير أو شر لكنه غلب على خبر الخير وهو المراد هنا.
وقوله "ولا تنفروا" ليس من المقابلة الحقيقية بل من المقابلة بالمعنى إذ مقابل التبشير الإنذار ومقابل التنفير الإيناس فجمع بينهما ليعم البشارة والإنذار والتأنيس والتنفير قاله الطيبي والتصريح بالمقابل أو اللازم للتأكيد وقد اختلف العلماء: هل الأمر بشيء نهي عن ضده؟ أو لا؟ فعلى القول بأنه يلزم فهو تصريح باللازم.
وفي الرواية الرابعة "وسكنوا ولا تنفروا" يقال: سكن المتحرك جعله يسكن أي هدئوا من روع الناس وعاملوهم المعاملة التي تريحهم.
(وتطاوعا ولا تختلفا) أي فليطع كل منكما صاحبه أما النهي عن اختلافهما فمقصوده استمرار المطاوعة ودوامها لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء.
-[فقه الحديث]-
عن دعوتهم للهجرة يقول النووي: معنى هذا الحديث أنهم إذا أسلموا استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة فإن فعلوا ذلك كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك وإلا فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو فتجري عليهم أحكام الإسلام ولا حق لهم في الغنيمة والفيء وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حق لهم في الفيء للأخبار قال: ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات ولا أهل الصدقات من الفيء واحتج بهذا الحديث وقول مالك وأبي حنيفة: المالان سواء ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين وقال أبو عبيد: هذا الحديث منسوخ وإنما كان هذا الحكم في أول الإسلام لمن لم يهاجر ثم نسخ بقوله تعالى {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] قال النووي: وهذا الذي ادعاه أبو عبيد لا يسلم له.
أما موضوع الجزية ومن تقبل منهم ومن لا تقبل منهم ففيه خلاف فقهي عريض بعد اتفاقهم على قبولها من أهل الكتاب اليهود والنصارى لقوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29].
والخلاف في قبول الجزية من المشركين ومن المجوس عربا أو عجما هل تقبل منهم كأهل الكتاب أو لا تقبل منهم الجزية؟ وليس أمامهم إلا الإسلام أو السيف؟
فعن مالك: تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام فيجوز عندهم أخذ الجزية من كل كافر عربيا كان أو عجميا كتابيا كان أو مجوسيا أو غيرهما.