قال القرطبي: هكذا وقع في الحديث بدأ بالحكم قبل الاجتهاد والأمر بالعكس فإن الاجتهاد يتقدم الحكم إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد اتفاقا لكن التقدير في قوله "إذا حكم" إذا أراد أن يحكم اهـ ففي الكلام مجاز المشارفة أي إذا أشرف على الحكم وأراده فاجتهد فترتيب الاجتهاد على إرادة الحاكم لا على الحكم.

وقال الحافظ ابن حجر: ويجوز أن تكون الفاء تفسيرية لا تعقيبية اهـ. والقول الأول أقعد لأن الفاء التفسيرية يكون ما بعدها مساويا ومبينا لما قبلها كما في قولنا: توضأ فغسل وجهه ويديه .. إلخ. وكقولنا: خطب فقال كذا وكذا. أما هنا فليس الاجتهاد مفسرا للحكم.

(ثم أصاب) "ثم" ليست للتراخي الزمني وعند أحمد "فأصاب" وهو معطوف على "اجتهد".

والمراد من الإصابة مطابقة حكمه لما في نفس الأمر أو مطابقته لحكم الله تعالى.

(فله أجران) أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وعند عبد الرزاق "فله أجران اثنان".

(ثم أخطأ) أي ظن أن الحق في جهة فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك.

(فله أجر) واحد أجر الاجتهاد.

-[فقه الحديث]-

قال ابن المنذر: إنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد وأما إذا لم يكن عالما فلا واستدل بحديث "القضاء ثلاثة" وفيه "وقاض قضي بغير حق فهو في النار وقاض قضي وهو لا يعلم فهو في النار".

وقال النووي: من ليس بأهل للاجتهاد والحكم فلا يحل له الحكم فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا وهي مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك. اهـ.

والقضية التي يثيرها هذا الحديث قضية تعدد الحق أو عدم تعدده وبعبارة أخرى هل يكون الحق في طرفين؟ وكل مجتهد مصيب؟ أم الحق لا يكون إلا في جهة واحدة؟ والمصيب واحد؟ أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين مع الأول وهو مروي عن الأئمة الأربعة لكن حكي عن كل منهم قول بالرأي الآخر والعجيب أن كلا من الفريقين المختلفين في هذه القضية يستدل بهذا الحديث.

فالقائلون إن الحق لا يكون مع الطرفين وإن الحق في جهة واحدة يقولون: لو كان كل من الطرفين مصيبا لم يطلق على أحدهما الخطأ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة وبعبارة أخرى: سماه مخطئا ولو كان مصيبا لم يسمه مخطئا وأما الأجر الذي له فإنه حصل له على تعبه في الاجتهاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015