بلحيته تهزه وتسخر منه ثم تلبث يومين أو ثلاثة حتى قالت لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فافعلي فذهبت في نسوة محجبات وبايعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ناقشته البيعة عرفها. فقال: أنت هند فكشفت عن أمرها برزانة وحكمة. قالت: يا رسول الله والله لقد مضى علي زمان كان بيتك أبغض البيوت إلى نفسي وكنت أتمنى أن يذل الله هذا البيت ذلا فوق ذل البشر وأصبحت اليوم أراك وأرى بيتك أحب البيوت إلى نفسي ولا أتمنى لأحد أن يعزه الله مثلما أتمنى لك قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيضا سيزيدك الله حبا لي بتمكين الإيمان في قلبك واستراحت هند بهذا اللقاء وأنست بهذا الجواب وهذا الاستقبال فعرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخيلة نفسها وخاصة أمرها وسر بيتها وما يقع بينها وبين زوجها قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح بخيل ممسك مقتر في النفقة علي وعلى أولاده لا يعطينا ما يكفينا وأستطيع أن أكمل نقص نفقتنا من ماله الذي تحت يدي بدون علمه دون أن يشعر فهل علي إثم إذا أنا أخذت من ماله بغير علمه؟ قال لها صلى الله عليه وسلم لا إثم عليك إذا أخذت من ماله بغير علمه ما هو حق مستحق لك ولبنيك بشرط أن لا تزيدي عما تستحقين وعما هو معروف عرفا وعادة أنه يكفيك ويناسب معيشة أمثالك.
-[المباحث العربية]-
(دخلت هند) "هند" روي بالصرف وبدون الصرف ومن المعلوم أن ساكن الوسط يجوز فيه الأمران الصرف وتركه كما في نوح ودعد. وهند أم معاوية وكان من أمرها لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها فلما كان يوم أحد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مكة مسلما -بعد أن أسرته خيل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فأجاره العباس- غضبت هند لأجل إسلامه وأخذت بلحيته ثم إنها بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جاءت فأسلمت وبايعت.
(إن أبا سفيان رجل شحيح) الشح البخل مع حرص والشح أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء وقيل: الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم قال القرطبي: لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله وإنما وصفت حالها معه وأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها وهذا لا يستلزم البخل مطلقا فإن كثيرا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب استئلافا لهم.
وقال الخطابي: إن أبا سفيان كان رئيس قومه ويبعد أن يمنع زوجته وأولاده النفقة فكأنه كان يعطيها قدر كفايتها وولدها.
وفي الرواية الثانية "رجل ممسك" وفي الرواية الثالثة "رجل مسيك" بكسر الميم وتشديد السين على المبالغة مثل شريب وسكير وضبط بفتح الميم وكسر السين مخففا على وزن شحيح قال النووي: الأول أشهر في الرواية والثاني أصح من حيث اللغة. من إمساك المال ومنعه من الإنفاق وهو الشح.