أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك.

وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه لأنه لو كان يعطى بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولا يمكن للمدعى عليه أن يصون ماله ودمه وأما المدعي فيمكنه صيانتها بالبينة. اهـ. وقد وضح بعض العلماء الحكمة في ذلك فقال: لأن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف المدعي وجانب المدعى عليه قوي لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى منه باليمين وهي حجة ضعيفة لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة.

وهذا الذي ذكره النووي لا خلاف فيه بالنسبة للنقطة الأولى (لا يقبل قول المدعي بمجرد دعواه) أما النقطة الثانية وهي (أن للمدعي طلب يمين المدعى عليه مطلقا) ففيها خلاف ولذلك قال: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من سلف الأمة وخلفها أن اليمين توجه على كل من ادعى عليه حق سواء كان بينه وبينه اختلاط أم لا وقال مالك وجمهور أصحابه والفقهاء السبعة فقهاء المدينة: أن اليمين لا تتوجه إلى المدعى عليه إلا إذا كان بينه وبين المدعي خلطة (أي علاقة معاملة أو شبهة أو صلاحية معاملة) لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل: هي معرفته بمعاملته ومدينته وقيل: تكفي الشبهة وقيل: هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله وقيل: أن يليق به أن يعامله بمثلها قال: ودليل الجمهور حديث الباب ولا أصل لا شتراط الخلطة في كتاب ولا سنة ولا إجماع. اهـ.

ولست مع النووي ولا مع الجمهور في ذلك والنصوص تقيد وتخصص بالقرائن وليس من الحكمة أن يقف رئيس الدولة أو سيدات المجتمع المخدرات أمام القضاء للحلف كلما ادعى عليهم صعلوك بأمر ما ويعجبني قول الاصطخرى من الشافعية: إن قرائن الحال إذا شهدت بكذب المدعي لم يلتفت إلى دعواه. اهـ.

ثم إن الكوفيين خصصوا اليمين على المدعى عليه في الأموال دون الحدود واستثنى مالك النكاح والطلاق والعتاق والفدية فقال: لا يجب في شيء منها اليمين حتى يقيم المدعي البينة ولو شاهدا واحدا.

فتعميم الشافعية للحديث في الأفراد والأموال والحدود والنكاح ونحوه لا يخلو من تعقيب.

وقد استدل بالحديث في قوله "ولكن اليمين على المدعى عليه" بأن المدعي لا يحلف استظهارا مع بينته ولا يحلف مع شاهد بدلا من الشاهد الثاني، وهي قضية الرواية الثالثة.

ولكن هذه العبارة لا قصر فيها حتى يثبت الحكم للمذكور وينفي عما عداه. وعبارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015