شرع الله لبني آدم الشرائع التي تصلح بها دنياهم وأخراهم، وأول هذه الفرائض أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأن يطيعوا الله فيما أمر، ولا يعصوه فيما نهى عنه وزجر.
ولما كان الالتزام شاقًا وصعبًا، وكانت أخطار المعاصي ودوافعها البشرية غالبة، فتح الله باب تكفيرها، ومحوها وغفرانها بعد وقوعها، فشرع الحدود، لتكون رادعة لأمثال العاصي، مكفرة لذنب من عصى، وأنزل البلايا والمصائب، من الخوف والجوع والنقص من الأموال والأنفس والثمرات، فما من مسلم يصاب بمصيبة من هم ولا غم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر له من خطاياه، ثم فتح للمسلم باب التوبة، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وفوق هذا وذلك أعلن أنه الغفور الرحيم، وقال في كتابه العزيز {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53] وعلى هذا الأساس الإسلامي، والقانون الإلهي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع المسلمين والمسلمات.
-[المباحث العربية]-
(عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: تبايعوني .. ) عبادة بن الصامت شهد بيعة العقبة الأولى، وكان أحد النقباء في بيعة العقبة الثانية، وشهد بيعة ثالثة بعد الفتح، فبيعة العقبة الأولى كانت قبل الهجرة بثلاث سنوات، لما مات أبو طالب، وعرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على أهل الطائف، فآذوه، أخذ يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج، يكلم كل شريف قوم، يقول: هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فيمنعني ممن يؤذيني، حتى أبلغ رسالة ربي؟ فإن قريشًا منعوني أن أبلغ رسالة ربي؟ فكان الناس يخافون قريشًا، فيتهربون منه حتى أتى مجلسًا فيه ستة نفر، من الأوس والخزرج، وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، وكان فيهم عبادة بن الصامت، دعاهم إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن، وكانوا يعلمون من جيرانهم اليهود أن نبيًا يبعث الآن، فقال بعضهم لبعض: لا تسبقنا إليه اليهود، فآمنوا، وصدقوا، ووعدوه أن يخبروا قومهم، وأن يدعوا إلى الإسلام، وأن يعودوا إليه في العام المقبل، وواعدوه العقبة، فجاءوا في السنة الثانية في نحو سبعين رجلاً، قيل: ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، فطلب منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا منهم اثنى عشر نقيبًا، يكونون كفلاء على قومهم، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم. وكان عبادة بن الصامت أحد النقباء. قالوا: تكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ما أحببت، وأخذ البراء بن معرور بيده، يبايعه، فقال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم حين أقدم إليكم، وأسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم، وعلي السمع والطاعة في النشاط والكسل، وأن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تئوونا وتنصرونا. قالوا: فما لنا إن نحن فعلنا ذلك؟ قال لكم الجنة.
قال العباس عمه، وكان معه: إن محمدًا منا من حيث علمتم، وقد منعناه، وهو في عز