أسلوبه قصر، وبحمل حديث عمر وحديث من وافقه على إرادة استيعاب ما هو معهود حينئذ أن يتخذ منه الخمر، وذكر بعض الأمور لا يتنافى مع ذكر الكل أو الأغلب.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: لنا إطباق أهل اللغة على تخصيص الخمر بالعنب. اهـ ورده الحافظ ابن حجر بثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرًا. قال الخطابي: وزعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرًا عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحًا لما أطلقوه.
وقال بعض الحنفية: إن الخمر من العنب، لقوله تعالى {إني أراني أعصر خمرًا} فهو يدل على أن الخمر ما يعتصر، لا ما ينتبذ، ورد بأنه لا يفيد القصر، ولا دليل فيه على الحصر.
هذا. وفي الموضوع كلام آخر كثير، وسنعود إليه عند أحاديث كتاب الأشربة إن شاء الله، وإنما تعجلنا هذه العجالة لإلقاء الضوء على حد الخمر، هل يثبت على من شرب النبيذ، ولم يسكر؟ أو لا يثبت؟ قال النووي: اختلف العلماء فيمن شرب النبيذ - وهو ما سوى عصير العنب من الأنبذة المسكرة - فقال الشافعي ومالك وأحمد - رحمهم الله تعالى - وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو حرام، يجلد فيه، كجلد شارب الخمر، الذي هو عصير العنب، سواء كان يعتقد إباحته، أو تحريمه، وقال أبو حنيفة والكوفيون - رحمهم الله تعالى - لا يحرم ولا يحد شاربه، وقال أبو ثور: هو حرام، يجلد بشربه من يعتقد تحريمه، دون من يعتقد إباحته.
والهدف من أحاديث الباب بيان حد الخمر، وعنه قال النووي: واختلف العلماء في قدر حد الخمر، فقال الشافعي، وأبو ثور وداود وأهل الظاهر وآخرون: حده أربعون. قال الشافعي وللإمام أن يبلغ به ثمانين، وتكون الزيادة على الأربعين تعزيرات، على تسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف والقتل، وأنواع الإيذاء، وترك الصلاة، وغير ذلك.
ونقل القاضي عن الجمهور من السلف والفقهاء، منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحق أنهم قالوا: حده ثمانون، واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة، وأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن للتحديد، ولهذا قال في الرواية الأولى "نحو أربعين" وحجة الشافعي وموافقيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين، كما صرح به في الرواية الثالثة، وأما زيادة عمر فتعزيرات، والتعزير إلى رأي الإمام، وأما الأربعون فهي الحد المقدر الذي لا بد منه، ولو كانت الزيادة حدًا لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ولم يتركها علي رضي الله عنه - بعد فعل عمر. ولهذا قال علي "وكل سنة" ومعناه الاقتصار على الأربعين، وبلوغ الثمانين سنة، قال النووي: وهذا الذي قاله الشافعي هو الظاهر الذي تقتضيه هذه الأحاديث، ولا يشكل شيء منها. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وفي سياق قصة استشارة عمر ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون، وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع، يزيد على ما كان مقررًا، ويشير إلى ذلك ما وقع من التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة، وانهمكوا في الشرب، فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى