الاستشارة وقعت في نهاية خلافة عمر، وليس كذلك أيضًا، فإن الذي رجحه ابن حجر أن الاستشارة وقعت وسط إمارته.

والمراد من "الناس" من كان حوله في مجلسه بالمسجد حينئذ من الصحابة، من المهاجرين والأنصار، ذكروا فيهم عليًا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف.

(فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين) هكذا وقع لبعض رواة مسلم "ثمانين" بالنصب ورواية الرفع ثابتة، وأعربت مبتدأ وخبرًا، قال الفاكهي: الذي يظهر أن راوي النصب وهم، واحتمال توهيمه أولى من ارتكاب ما لا يجوز لفظًا ولا معنى، ووجهها بعضهم على تقدير حذف عامل النصب، أي أخف الحدود أجده ثمانين، أو أجد أخف الحدود ثمانين، ويؤيد هذا التوجيه ظاهرالعبارة في الرواية الثانية، ولفظها "أرى أن تجعلها - أي تجعل العقوبة، التي هي للخمر حد - كأخف الحدود" يعني المنصوص عليها في القرآن، وهي حد السرقة بقطع اليد، وحد الزنا بالجلد مائة، وحد القذف بالجلد ثمانين، فاجعلها ثمانين كأخف هذه الحدود. فعامل النصب المحذوف تقديره: اجعل الحد أخف الحدود ثمانين، والكلام على التشبيه، أي كأخف الحدود.

وفي رواياتنا أن المشير على عمر رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن عوف، وفي غير مسلم روايات تفيد أن المشير بذلك علي رضي الله عنه، أخرجها مالك والطبراني والطحاوي، والبيهقي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة، ومثلها عند أبي داود والنسائي، ولا تعارض، فقد يكون كل من علي وعبد الرحمن قد أشار بذلك، فذكر بعض الرواة عبد الرحمن لكبره، وذكر آخرون عليًا لفضله.

(فأمر به عمر) أي فأمر بهذا القدر من الجلد عمر، وفي الرواية الثانية "فجلد عمر ثمانين".

(عن حضين بن المنذر) قال النووي: هو بالضاد المعجمة، وليس في الصحيح حضين بالمعجمة غيره.

(شهدت عثمان بن عفان، وأتي بالوليد) جملة "وأتي بالوليد" حالية، أي وقد أتي بالوليد على أنه شرب خمرًا، ليقيم عليه الحد. والوليد هو ابن عقبة بن أبي معيط الأموي، أخو عثمان بن عفان لأمه، كان أبوه شديدًا على المسلمين، كثير الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ممن أسر ببدر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، نشأ الوليد وتربى في كنف عثمان، فلما استخلف عثمان ولاه الكوفة، بعد عزل سعد بن أبي وقاص، واستعظم الناس ذلك، وصلى بالناس الصبح، فلما فرغ وكان في سكره قال للمصلين: أزيدكم للصبح ركعتين أخريين؟ بل روي أنه صلى بالناس الصبح أربعًا، وهو سكران، فجلده عثمان، وعزله بعد جلده عن الكوفة، وولاها سعيد بن العاص، قيل: كانت ولايته الكوفة سنة خمس وعشرين، وعزل عنها سنة تسع وعشرين، واعتزل الفتنة، ولكنه كان يحرض معاوية على قتال علي، ومات في خلافة معاوية.

(فقال عثمان: يا علي، قم. فاجلده) أي فأقم عليه الحد، بنفسك، أو بأن تأمر من ترى بذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015