الرعاة، رعاة إبل الصدقة، وإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحجة أن أجسامهم سقمت في المدينة، فهم أبناء الصحراء والبوادي، وبحجة أن أمراضهم شفيت بشرب لبن الإبل وبولها، وهم مع الرعاة يجدون حاجتهم من الأبوال والألبان، وأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجوا، ولما بعدوا عن المدينة، وانقطعوا في المراعي النائية، سولت لهم نفوسهم الشريرة، وسول لهم الشيطان أن يقتلوا الراعيين، ويستولوا على الإبل، ويسوقوها إلى حيث يأمنون، بعيدًا عن سلطات محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، إنهم ثمانية رجال، وإن الرعاة غلامان ضعيفان، والإبل فوق الأربعين، غنيمة كبرى، بعدوان بسيط، لقد استفردوا بأحد الغلامين فقيدوه، وفقئوا عينيه لئلا يرى، لكنه صرخ واستغاث، فذبحوه، ورأى الغلام الثاني الجريمة من بعيد، ففر هاربًا إلى المدينة، ولم يشغلوا أنفسهم بمحاولة اللحاق به، فهو أسرع، وأصح نشاطًا وحيوية، فاستاقوا الإبل إلى حيث يقصدون.

وبلغ الغلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث، وكان معه عشرون من شباب المسلمين الأشداء الفوارس، فثارت نفوسهم أن يلحقوا بهم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم قائفًا، يعرف الأثر، ليدلهم على الطريق الذي سلكوه، وما هي إلا ساعات حتى أدركوهم، ولم يمض يوم حتى كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم فيهم بحكم الله، أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن يقتص منهم بفقء عيونهم، وأن يتركوا في شمس الصحراء حتى يموتوا، وكان في ذلك الجزاء الأمن والأمان، لأبناء المجتمع الإسلامي، والعقوبة الرادعة لمن تسول له نفسه من الأشقياء السعي في الأرض بالفساد.

-[المباحث العربية]-

(أن ناسًا من عُرَينة) بضم العين وفتح الراء، مصغر، اسم قبيلة، أوحى من بجيلة، وفي الرواية الثانية "أن نفرًا من عكل" بضم العين وسكون الكاف، وهي قبيلة من تيم الرباب، وفي الرواية الثالثة "قوم من عكل أو عرينة" بأو، وفي الرواية الخامسة "نفر من عرينة" وفي ملحق الرابعة "نفر من عكل" وفي ملحق الخامسة "رهط من عرينة" وفي ملحقها "من عكل وعرينة" والظاهر أن بعضهم كان من عكل، وبعضهم كان من عرينة فحين ذكرت واحدة قصدت الثانية معها، وحين ذكرت "أو" كانت بمعنى الواو. وكان عددهم "ثمانية" كما جاء في الرواية الثانية، وملحق الرواية الرابعة.

(قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة) ليعلنوا إسلامهم، ويبايعوه، كما جاء في الرواية الثانية والخامسة، وكان قدومهم في شوال أو ذي القعدة سنة ست من الهجرة.

(فاجتووا المدينة) يقال: اجتويت البلد، إذا كرهت المقام فيه، أو تضررت بالإقامة فيه، وفي الرواية الثانية "فاستوخموا الأرض" أي أرض المدينة، وهو بمعنى اجتووا. وعند البخاري "فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضرع" أي رعاة إبل وبقر في البرية "ولم نكن أهل ريف" أي أهل إقامة وزراعة، كما هو الحال في المدينة، وفي رواية له أيضًا "إن ناسًا كان بهم سقم، قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة" أما السقم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015