الخامسة: أن تقتتل طائفتان، فيوجد بينهما قتيل، ففيه القسامة عند مالك والشافعي وأحمد وإسحق، وعن مالك رواية: لا قسامة، بل فيه دية على الطائفة الأخرى، إن كان من إحدى الطائفتين، وإن كان غيرهما فعلى الطائفتين ديته.

السادسة: أن يوجد الميت في زحمة الناس، قال الشافعي: تثبت فيه القسامة، وتجب به الدية، وقال مالك، هو هدر، وقال الثوري وإسحق: تجب دية في بيت المال.

السابعة: أن يوجد في محلة قوم، أو قبيلتهم، أو مسجدهم، فقال مالك والليث والشافعي وأحمد وداود وغيرهم: لا يثبت بمجرد هذا قسامة، بل القتل هدر، لأنه قد يقتل الرجل الرجل، ويلقيه في محل طائفة، لينسب إليهم، قال الشافعي: إلا أن يكون في محلة أعدائه، لا يخالطهم غيرهم، فيكون كالقصة التي جرت بخيبر، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة لورثة القتيل، لما كان بين الأنصار وبين اليهود من العداوة، ولم يكن هناك سواهم، وعن أحمد نحو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة والثوري ومعظم الكوفيين: وجود القتيل في المحلة والقرية يوجب القسامة، ولا تثبت القسامة عندهم في شيء من الصور السبع السابقة إلا هنا، لأنها عندهم هي الصورة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقسامة، ولا قسامة عندهم إلا إذا وجد القتيل وبه أثر، قالوا: فإن وجد القتيل في المسجد حلف أهل المحلة، ووجبت الدية في بيت المال، وذلك إذا ادعوا على أهل المحلة.

وحجة الجمهور القياس على هذه الواقعة، والجامع أن يقترن بالدعوى شيء يدل على صدق المدعي، فيقسم معه، ويستحق.

النقطة الثالثة: هل يبدأ الحلف بالمدعين؟ أو بالمدعى عليهم؟ يقول مالك: أجمعت الأئمة في القديم والحديث على أن المدعين يبدءون الحلف في القسامة، لأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له، وههنا الشبهة قوية، وقالوا: هذه سنة بحيالها، وأصل قائم برأسه، لحياة الناس، وردع المعتدين، وخالفت الدعاوي في الأموال، فهي على ما ورد فيها، وكل أصل يتبع ويستعمل، ولا تطرح سنة لسنة، واحتجوا بحديث أبي هريرة "البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، إلا القسامة" وقال القرطبي: الأصل في الدعاوي أن اليمين على المدعى عليه، وحكم القسامة أصل بنفسه، لتعذر إقامة البينة على القتل فيها غالبا، فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة، ويترصد الغفلة، ثم ليس هذا خروجًا على الأصل بالكلية، بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله، لقوة جانبه، بشهادة الأصل له بالبراء مما ادعى عليه، وهو موجود في القسامة في جانب المدعي، لقوة جانبه باللوث، الذي يقوي دعواه.

وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين، إلا الشافعي وأحمد، فقالا بقول الجمهور: يبدأ بأيمان المدعين، وردها - إن أبوا - على المدعى عليهم، وقال بعكسه أهل الكوفة، وكثير من أهل البصرة، وبعض أهل المدينة، والأوزاعي، فقال: يستحلف من أهل القرية خمسون رجلاً خمسين يمينًا: ما قتلناه، ولا علمنا من قتله، فإن حلفوا برئوا، وإن نقصت قسامتهم عن عدد، أو نكلوا حلف المدعون على رجل واحد، واستحقوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015