أما سالم بن عبد الله بن عمر فقد أخرج ابن المنذر عنه، أنه كان يقول: "يالقوم يحلفون على أمر لم يروه، ولم يحضروه، ولو كان لي أمر لعاقبتهم، ولجعلتهم نكالاً، ولم أقبل لهم شهادة".
وأما أبو قلابة فيروي البخاري عنه "أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس، ثم أذن لهم، فدخلوا فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس. فقلت يا أمير المؤمنين. عندك رؤوس الأجناد، وأشراف العرب. أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق، أنه قد زنى، ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق ولم يروه، أكنت تقطعه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام ثم استدل أبو قلابة بحديثنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يعمل بالقسامة - وإن عرضها - ولم يجبر أي من الطرفين أن يحلف، بل ودي القتيل من عنده. ثم قال أبو قلابة: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلاً بالقسامة، ثم ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا، فمحوا من الديوان، وسيرهم إلى الشام.
وأما عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد ورد عنه في القسامة: "إن من القضايا ما لا يقضى فيه إلى يوم القيامة، وإن هذه القضية لمنهن" وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القسامة، كما اختلف على معاوية، فقد أخرج ابن المنذر من طريق الزهري قال: "قال لي عمر بن عبد العزيز: إني أريد أن أدع القسامة، يأتي رجل من أرض كذا، وآخر من أرض كذا، وآخر من أرض كذا، فيحلفون على ما لا يرون؟ فقلت: إنك إن تتركها يوشك أن الرجل يقتل عند بابك، فيبطل دمه، وإن للناس في القسامة لحياة".
أما القائلون بمشروعية القسامة، وبالعمل بها، فعامة العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم علماء الأمصار الحجازيين والشاميين والكوفيين وغيرهم، ممن سيأتي ذكرهم في النقطة التالية.
النقطة الثانية: هل القسامة توجب القود أو الدية؟ إذا كان القتل عمدًا؟ إذ لا خلاف في أن القتل الخطأ إذا ثبت ولو بالبينة يوجب الدية. إذن الخلاف في القتل العمد مع القسامة.
قال معظم الحجازيين: يجب بها القصاص والقود، وهو قول الزهري وربيعة وأبي الزناد ومالك وأصحابه والليث والأوزاعي وأحمد وإسحق وأبي ثور وداود، وهو قول الشافعي في القديم، وروي عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز. قال أبو الزناد: قلنا بها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، إني لأرى أنهم ألف رجل، فما اختلف منهم اثنان.
وقال الكوفيون والشافعي في الجديد وفي أصح قوليه: لا يجب بها القصاص، وإنما تجب بها الدية، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وعثمان الليثي والحسن بن صالح، وروي أيضًا عن أبي بكر وعمر وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم.
استدل الأولون بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى "فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم" وفي