إرادة الموصي، حيث جاء في روايتنا الأولى: "له شيء يريد أن يوصي فيه" فلو كانت واجبة لما علقها بإرادته.

وأجابوا عن الآية بأنها منسوخة، ففي حديث لابن عباس "كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل لكل واحد من الأبوين السدس ... " الحديث. فإن قيل: الذي نسخ من الآية الوصية للوالدين، والأقارب الذين يرثون؟ قلنا: لم تعد الآية صالحة للاستدلال، حيث تطرق إليها الاحتمال.

وأجابوا عن الحديث بما فسره به الشافعي، حيث قال: إن المراد الحزم والاحتياط، لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية، ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له، وقال غيره: الحق لغة الشيء الثابت، ويطلق شرعًا على ما ثبت به الحكم، والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، وقد يطلق على المباح أيضًا، لكن بقلة. قاله القرطبي. قال: فإن اقترن به "علي" أو نحوها كان ظاهرًا في الوجوب، وإلا فهو على الاحتمال، وعلى هذا التقدير فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بالوجوب.

وأجابوا عن رواية "لا يحل" بأنه يحتمل أن يكون راويها أراد بنفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي تحته الواجب والمندوب والمباح.

ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أن الوصية تجب على من عليه حق شرعي، يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به، كوديعة، ودين لله أو لآدمي، وتندب لغير ذلك. والتحقيق: أن هذا القول يرجع إلى قول الجمهور، إذ حاصله أن الوصية غير واجبة لعينها، وأن الواجب لعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير، وقال الحافظ ابن حجر: وعرف من مجموع الأقوال السابقة أن الوصية قد تكون واجبة، كما في قول أبي ثور، وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر، وقد تكون مكروهة، كما في عكسه، وقد تكون مباحة فيمن استوى الأمران فيه، وقد تكون محرمة، فيما إذا كان فيها إضرار، كما ثبت عن ابن عباس بإسناد صحيح "الإضرار في الوصية من الكبائر" رواه النسائي ورجاله ثقات.

واستدل بالحديث بقوله "مكتوبة عنده" على جواز الاعتماد على الكتابة والخط، ولو لم يقترن ذلك بالشهادة، وخص أحمد ومحمد بن نصر من الشافعية، ذلك بالوصية، لثبوت الخبر فيها، دون غيرها من الأحكام.

والجمهور على اشتراط الشهادة، بأمر خارج عن الحديث، كقوله تعالى {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} [المائدة: 106]، فإنه يدل على اعتبار الإشهاد في الوصية، وقال القرطبي: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق، وإلا فالوصية المشهود بها متفق على صحتها، ولو لم تكون مكتوبة. وقال النووي: فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يعمل بالوصية، ولا تنفع إلا إذا كان أشهد عليها.

واستدل بروايتينا الثالثة عشرة والرابعة عشرة بعدم طلب الوصية، لا وجوبًا ولا ندبًا، لمن ليس له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015