رسول الله ليس لي إلا ابنة، هي التي ترثني؟ أأتصدق بنصف مالي؟ وأترك لها نصفه؟ قال: لا تصدق بالثلث، والثلث كثير. إنك إن تترك ورثتك أغنياء كان لك أجر على ما أبقيت لهم من مال، وأنفق في حياتك من مالك على زوجك وبنتك والأقربين، فما أنفقت من نفقة تبتغي بها وجه الله إلا كان لك بها أجر حتى اللقمة التي تأكلها زوجتك أو بنتك، لك فيها أجر.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشتري أرضًا زراعية في أحسن أرض، فكانت أحب أمواله إليه، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير السبل لتكون في سبيل الله، فأشار عليه بأن يوقف أصلها، ويتصدق بريعها ونتاجها.
فالكيس الكيس، والعقل العقل، والمبادرة المبادرة، قبل أن تنتظر من ابنك أو ورثتك أن يتصدق عليك بعد موتك، وإن وصلك أجر صدقته، فلن يكون مثل أجر ما تخرج يداك.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا، وهو الذي وزع آلاف الدنانير وآلاف الإبل والشاة على أصحابه، فكانت وصيته كتاب الله والعمل به، وكانت وصيته "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" وكانت وصيته "ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده" صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
-[المباحث العربية]-
(الوصية) جمعه وصايا، كهدية وهدايا، وتطلق على فعل الموصي، وعلى ما يوصي به من مال أو عهد، أو غير ذلك، فتكون بمعنى المصدر، وهو الإيصاء، وتكون بمعنى المفعول، وهو الاسم، وفي الشرع: عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت، وهو يصحبه التبرع، كما في وصية سعد، ووصية عمر، رضي الله عنهما، قال الأزهري: الوصية من وصيت الشيء، بالتخفيف، أوصيه، إذا وصلته، وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته، ويقال: وصية بتشديد الياء، ووصاة، بالتخفيف بغير همزة. وتطلق شرعًا - في غير هذا الموضوع - على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات.
(ما حق امرئ مسلم) "ما" نافية و"الحق" لغة الشيء الثابت، والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، والمرء هو الرجل، لكن التعبير به هنا خرج مخرج الغالب، إذ لا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة، وكذلك الوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، أو ذكر للتهييج، لتقع المبادرة بالامتثال، لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك.
(له شيء يريد أن يوصي فيه) وفي ملحق الرواية الأولى "له شيء يوصي فيه" بكسر الصاد، وعند أحمد "له ما يوصي فيه" وفي رواية "له مال" ورواية "شيء" أشمل من رواية "مال" لأنها تعم ما يتمول، وما لا يتمول، كالمختصات، وجملة "يريد أن يوصي فيه" أو "يوصي فيه" صفة "شيء".