والخلاف بين العلماء في هذه الصورة في: هل ينتقل إلى المعمر ملك الرقبة؟ حتى يجوز له البيع والشراء، والهبة، وغير ذلك من التصرفات؟ فهي هبة كاملة، لكنها بعبارة طويلة، فإذا مات فالدار لورثته، فإن لم يكن له وارث فلبيت المال، ولا تعود للواهب بحال؟ بهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور، وقال مالك والشافعي في القديم: إنما تنتقل المنفعة فقط، كالوقف، فلا يجوز للمعمر التصرف في عينها، فإذا مات فلورثته المنفعة أيضًا، فإن لم يكن له وارث رجعت إلى الواهب، ولا ترجع إلى بيت المال، وهل يسلك به مسلك العارية فيستردها الواهب متى شاء؟ أو الوقف؟ روايتان عند المالكية.
والحكم كذلك في الرقبى، إلا أن الحنفية يقولون: التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة، وفي الرقبى يتوجه إلى المنفعة، وعنهم أن الرقبى باطلة، وهي ممنوعة عند مالك أيضًا.
الثاني: أن يقول أعمرتك هذه الدار مثلاً ويطلق، أو يقول جعلتها لك عمرك، ولا يتعرض لما سواه، ولا يتعرض لورثته ولا عقبه، وفي حكم هذه الصورة أربعة أقوال:
أ- العقد صحيح ويسلك به مسلك الحالة الأولى، وتكون له، ولورثته من بعده، وتؤيده روايتنا السادسة ولفظها "العمرى لمن وهبت له" والسابعة ولفظها "فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًا وميتًا ولعقبه" والثامنة والتاسعة "في المرأة التي أعمرت ابنًا لها حائطًا". وهذا مذهب الشافعي الجديد، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وسفيان الثوري وأبو عبيد وآخرون.
ب- العقد باطل من أساسه، لأنه تمليك مؤقت، فأشبه ما لو باعه أو وهبه شيئًا إلى وقت معين، ويؤيده روايتنا الرابعة، في جزئها الأول، ولفظه "إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك" وهو مذهب الشافعي في القديم.
ج- العقد صحيح، ويكون للمعمر في حياته فقط، فإذا مات رجعت إلى المعمر، أو لورثته إن كان قد مات. وحكي هذا القول عن الشافعي في القديم أيضًا.
د- أنها عارية، يستردها المعمر متى شاء، فإذا مات عادت إلى ورثته. حكاه بعض الشافعية عن القديم أيضًا.
الثالث: أن لا يذكر العقب، ولا الورثة، ولا يقتصر على الإطلاق، بل يقول: جعلتها لك عمرك، فإذا مت عادت إلي، أو إلى ورثتي إن كنت مت. وفي حكم هذه الصورة أربعة أقوال أيضًا:
(أ) الأصح عند الشافعية أن العقد صحيح، ويلغي الشرط، ويسلك به مسلك الحالة الأولى، وتكون له ولورثته من بعده، وعمدتهم الأحاديث المطلقة الصحيحة، روايتنا العاشرة "العمرى جائزة" والحادية عشرة "العمرى ميراث لأهلها" وقالوا: شرط الرجوع المقارن للعقد، مثل الرجوع الطارئ بعده، وقد شبه بالكلب يعود في قيئه، فإما أن يبقي ماله مطلقًا، أو يخرجه مطلقًا فإن أخرجه على خلاف ذلك بطل الشرط، وصح العقد.
(ب) عن بعض الشافعية أن العقد باطل من أساسه، للعلة السابقة في الحالة الأولى.
(ج) أن العقد صحيح، ويكون للمعمر في حياته، فإذا مات رجعت إلى المعمر.
(د) أنها عارية، يستردها المعمر متى شاء، فإذا مات عادت إلى ورثته.
واللَّه أعلم