صلى الله عليه وسلم. فقال له: لا تشتره. لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم، إنك إن اشتريت أشبهت العائد في صدقته، والعائد في صدقته كالكلب، يقيء، ثم يعود إلى قيئه فيأكله، ونفر عمر رضي الله عنه من الفعل ومن شبهه، وبعد عن شرائه، وفي ذلك من أدب التشريع ما يرفع الحياء عن المتصدق عليه إذا أراد أن يبيع الصدقة التي أعطيت له، وكان في ذلك من أدب التشريع ما يمنع المتصدق من أن يمد عينه إلى ما تصدق به، وما يعظم نفسه عن التفكير فيما أخرج في وجوه الخير.

-[المباحث العربية]-

(حملت على فرس عتيق في سبيل الله) أي تصدقت به، ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله، وأصله حملت مجاهدًا على فرس لي، وكانت الخيل والإبل من أهم عدة الجهاد، وكانت وسيلة السفر، والعتيق الكريم الفائق من كل شيء، والمراد هنا فرس نفيس جواد، يقال عتق بفتح التاء يعتق بكسرها، فهو عاتق وعتيق، أي بلغ نهايته ومداه، وعتق بضم التاء يعتق بضمها أيضًا فهو عتيق، وهي عتيق، أي قدر وكرم. وهل كان هذا الحمل على سبيل الهدية والهبة؟ أو على سبيل الصدقة؟ احتمالان، والفرق بينهما أن الصدقة لا تكون إلا لمستحقها، أما الهبة فتكون لمستحق الزكاة، ولغير مستحق الزكاة، والصدقة لا يقصد لها مقابل إلا من الله، أما الهبة فقد تكون بمقابل دنيوي من الموهوب له، والفرس يطلق على الذكر والأنثى.

(فأضاعه صاحبه) أي أهمله، وقصر في إطعامه وعلفه والعناية بأمره، والضائع الجائع، والمفقود، وفي الرواية الثانية "وكان قليل المال" وقيل لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل: استعمله فيما لا يليق به، والأول أصح.

(فظننت أنه بائعه برخص) أي بثمن بخس رخيص، وهذا الظن بعد أن وجده يبيعه، ففي الرواية الثالثة "فوجده يباع" وفي الرواية الرابعة "ثم رآها تباع".

(فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن حكم شرائه بعد هبته، وكأنه وقع في نفسه من ذلك شيء، فسأل عن الحكم، وكان ما توقع، وفي الرواية الثانية "فأراد أن يشتريه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له" وفي الرواية الثالثة "فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك".

(فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك) جعل شراءه عودًا في الصدقة للتنفير، فهو يشبه العود من حيث رجوع المتصدق به إلى المتصدق، ولو بطريق ما، وفي الرواية الثانية "لا تشتره، وإن أعطيته بدرهم" مبالغة في رخصه، الحامل له على الشراء. وقال الحافظ ابن حجر: سمي شراءه برخص عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع للمشتري في مثل ذلك، فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا، أو سماه عودًا في الصدقة من حيث إن الغرض كان ثواب الآخرة، والشراء جعله للدنيا، وبخاصة إذا كان برخص.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015