(من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا) وفي الرواية الثانية "من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه" وفي الرواية الثالثة "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا" وفي الرواية السادسة "من ظلم قيد شبر من الأرض" والشبر في هذه الأحاديث ليس مقصودًا كمقدار، بل المقصود التقليل، فيشمل ما فوقه وما دونه، ولفظ "قيد شبر" بكسر القاف وسكون الياء، ومعناه قدر شبر.
(طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) في الرواية الثانية "طوقه - بالبناء للمجهول - في سبع أرضين يوم القيامة" وفي هذه الرواية الثالثة "طوقه إلى سبع أرضين" قال أهل اللغة: الأرضون بفتح الراء، وفيها لغة قليلة بإسكانها. وفي معنى تطويقه إياه من سبع أرضين قال العلماء أقوالاً: منها أن معناه أنه يكلف حمل وإطاقة تراب ما ظلم، بعد أن يعمق هذا المقدار إلى سبع طبقات من الأرض، على معنى أنه إذا غصب مترًا مربعًا من سطح الأرض من طبقتها العليا كلف أن يحمل سبعة أمتار مكعبة يوم القيامة في أرض المحشر، كالذي يغل من الغنيمة بعيرًا يكلف أن يحمله على رقبته يوم القيامة، فمعنى "طوقه" كلف إطاقته. وقيل: يجعل هذا المقدار طوقًا يلف حول عنقه يوم القيامة، من قبيل قوله تعالى {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180].
قال النووي: ويطول الله عنقه، كما جاء في غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه. وقيل: كلف أن يحفر هذا المقدار في أرض يوم القيامة، يتعمق في حفرته أعماقًا كثيرة، أي كلف هذا العمل، وفي تهذيب الطبري ما يصحح هذا القول، ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض كلفه الله أن يحفره، حتى يبلغ سبع أرضين، ثم يطوقه - أي يكلف إطاقته - يوم القيامة، حتى يقضى بين الناس" وقيل: معناه طوقه، وجعل هذا المقدار من الأرض كالطوق يحيط به ويهبط به إلى سبع أرضين، ويؤيد هذا المعنى رواية للبخاري، ولفظها "خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" وقيل: يطوق إثم هذا الغصب، وهو إثم كبير، ويلزمه هذا الإثم، كلزوم الطوق بعنقه، ويبعد هذا المعنى ذكر "سبع أرضين" وسيأتي في فقه الحديث الكلام عن الأرضين السبع، لكن يحتمل هنا في هذ الحديث أن المراد بالسبع التكثير، وليس حقيقة العدد، فقد قالوا: أن السبعة يقصد بها الكثرة في الآحاد، والسبعين يراد بها الكثرة في العشرات، والسبعمائة يراد بها الكثرة في المئات، كما في قوله تعالى {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27] وقوله {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80] وقوله {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} [البقرة: 261].
(عن سعيد بن زيد بن عمرو نفيل أن أروى خاصمته في بعض داره) "أروى" بفتح الهمزة وسكون الراء، مقصور، وفي الرواية الثالثة "أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم" وفي رواية للبخاري أنها خاصمته - في حق زعمت أنه انتقصه لها - إلى مروان" وفي بعض الروايات "استعدت أروى بنت أويس مروان بن الحكم - وهو والي المدينة - على سعيد بن زيد، في أرضه بالشجرة، وقالت: إنه أخذ حقي، وأدخل ضفيرتي في أرضه" وكانت دفنت ضفيرتين من شعرها في عمق الحد الفاصل بين أرضها وأرضه،