قدم من معروف، وأن يتحمل المدين مطالبة الدائن، وإن شدد، فهو صاحب حق، مادام يطالب في حدود الآداب، وإن ألح.
بهذه الآداب يتم التعاون بين المسلمين، ويصبح مثل المؤمنين كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، ولا يخشى القادر إقراض المحتاج، ويجد المحتاج من يساعده عند الشدائد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تطبيق هذه الآداب. وكيف لا وقد كان خلقه القرآن صلى الله عليه وسلم.
كان صلى الله عليه وسلم يمر على بيوته الشهر والشهران ثلاثة أهله في شهرين، لا يوقد في بيته نار، لعدم وجود ما يطهى بالنار، فلم يكن يستقرض لنفسه شاة ولا بعيرًا، ولكنه كان يقترض للفقراء حين لا يكون في بيت المال ما يحتاجون، فإذا جاءت إبل الصدقة، سدد ما اقترض، بما هو مثله، أو بأحسن مما اقترض، وكان يتحمل شدة صاحب الحق، ويقول: إن لصاحب الحق مقالاً، وكان يدعو إلى إكرام المقرض، والإحسان عند أداء الحقوق، ويقول "خيركم أحسنكم قضاء" بهذا يقول الدائن للمدين "أوفيتني أوفي الله بك وأوفاك".
-[المباحث العربية]-
(استسلف من رجل بكرًا) يقال: أسلفت رجلاً مالاً، وسلفته مالاً، بتشديد اللام، أقرضته إياه، ويقال: استلف واستسلف من رجل مالاً، أي اقترض، والبكر بفتح الباء وسكون الكاف الصغير من الإبل، كالغلام من الآدميين، والأنثى بكرة وقلوص، وهي الصغيرة من الإبل، كالجارية من الآدميين.
(لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا) بفتح الراء، وتخفيف الياء، وهو من الإبل ما استكمل ست سنين ودخل في السابعة، والذكر رباع، والأنثى رباعية بتخفيف الياء. أي لم أجد في إبل الصدقة إلا ما هو خير من سنه، لم أجد إلا رباعيًا.
(إن خيار الناس أحسنهم قضاء) "خيار" جمع خير بفتح الخاء وسكون الياء، ومثله أخيار وخيور.
وفي الرواية الثانية "إن خير عباد الله" وفي الرواية الثالثة "إن خيركم" وفي الرواية الرابعة "خياركم" وفي الرواية الخامسة "خيركم" قال العلماء: لما أضيف أفعل أي "خير" والمقصود به الزيادة جاز فيه الإفراد والجمع، ومثله "أحسنكم" ففي الرواية الأولى والثانية "أحسنهم قضاء" وفي الرواية الثالثة والخامسة "أحسنكم قضاء" وفي الرواية الرابعة "محاسنكم قضاء" و"من" مقدره في "خيار الناس" و"خير عباد الله" وقد صرح بها في الرواية الثالثة، فإن من فعل ذلك ليس خير عباد الله على الإطلاق، بل من خيرهم.
(كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فأغلظ له) أي في المطالبة به، أي شدد المطالبة، من غير قدر زائد، قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون الإغلاظ بغير ذلك، ويكون صاحب الدين كافرًا،