3614 - عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "قد أخذت جملك بأربعة دنانير. ولك ظهره إلى المدينة".
-[المعنى العام]-
صورة إسلامية مشرقة، صورة الإمام القائد الأعظم مع جنده، أو صغار جنده، وكيف يتتبع أحوالهم، ويساعدهم، ويتفقد أمورهم الخاصة، ويسامرهم، ويرشدهم إلى مصالحهم، صورة القائد الذي يتصدر الجند في المعارك، ولا يتصدرهم في طريق العودة، بل يسير أمامهم أحيانًا، وفي وسطهم أحيانًا، وفي مؤخرتهم أحيانًا، يعين الضعيف، وينجد ذا الحاجة، صورة الإمام الأعظم الذي يعطي دون أن يمن، ودون أن يجرح المعطى.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود من غزوة ذات الرقاع، في السنة الخامسة للهجرة، يعود بجيشه بعد نصر الله، وفي الجند جابر بن عبد الله، الصحابي المشهور، يركب جملاً له عليلاً، اشتد به الإعياء حتى لا يكاد يسير، فتخلف جابر عن آخر القوم، وكاد يترك الجمل في الصحراء، ويسير على أقدامه، وبينما هو يتدبر أمره فوجئ بمن يناديه من خلفه: جابر؟ فالتفت، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لبيك يا رسول الله. قال: مالك تأخرت؟ ما لبعيرك؟ قال: بعيري عليل، لا يكاد يسير، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ناقته، ونزل جابر عن جمله، أدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلف بعير جابر، فنخسه في عجزه بعصاة كانت معه، فقفز البعير من النخسة، وسمع جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو للبعير بالبركة، ثم قال: يا جابر: اركب بعيرك باسم الله. فركب جابر بعيره، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، وتجول بين الجند، ركب جابر بعيره، فإذا هو غير البعير، بعير يسير سيرًا لم يسر مثله قبل، بل لا يسير مثله بعير، إنه يسابق إبل القوم، إنه يسبقهم، ويسير قدامهم ومرة أخرى يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواره، يقول له: يا جابر. قال: لبيك يا رسول الله. قال: كيف ترى بعيرك؟ ماذا فعل؟ قال: حصلت له بركتك يا رسول الله، ها هو كأحسن بعير، بفضل دعائك، ها هو ذا يحاول سبق ناقتك، أشده من خطامه لأمنعه من الإسراع، لتتقدم علي يا رسول الله، قال: يا جابر. أتزوجت بعد وفاة أبيك؟ قال: نعم، وأن عروس، لهذا أستأذنك في أن أسبق الجيش إلى المدينة. قال: لا بأس. فماذا تزوجت؟ بكرًا؟ أم ثيبًا؟ قال: ثيبًا.
قال: فلم لم تتزوج بكرًا وأنت شاب في مقتبل الشباب؟ لم لم تتزوج بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟ لم لم تتزوج عذراء تضاحكها وتضاحكك؟ قال: لقد مات أبي شهيدًا في أحد، وترك تسعًا من البنات، منهن الصغيرة، فكرهت أن أتزوج بكرًا في سن بعضهن، فلا تستطيع خدمتهن، وتمشيطهن، وجمعهن، والقيام عليهن، فتزوجت امرأة تقوم مقام أمهن، وتدبر شئونهن. قال: أصبت. فبارك الله لك، يا جابر العقل العقل، والحكمة الحكمة في معالجتك لأمور زوجك مع أخواتك، فما أصعب هذه العلاقة. ثم قال: يا جابر أتبيعني جملك هذا؟ واستحيا جابر. بماذا يجيب؟