أركان الحوالة، والناس يختلفون في استيفاء حقوقهم، منهم السهل المسامح الذي يرتاح المدين إلى سماحته، ومنه الصعب الذي لا يحب المدين أن يكون الدين له، ولا يشترط رضاه عند مالك وأحمد وجمهور الشافعية، لأنه محل الحق للمحيل، ومن حق المحيل أن يستوفي حقه بنفسه، وبغيره، كما لو وكل في الاستيفاء وكيلاً.

وإن كانت الحوالة على من لا دين عليه للمحيل لم تصح دون رضاه، لأنا لو صححناها لألزمناه قضاء دين الغير قهرًا، وإن رضي ففي صحة الحوالة وجهان. وهناك تفريعات فقهية كثيرة تطلب من كتب الفروع، والذي يعنينا في هذا المقام أن قوله صلى الله عليه وسلم "وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" ليس على إطلاقه، ومن هنا ذهب الشافعية والجمهور إلى أن المحتال يستحب له أن يقبل الحوالة على مليء، وحملوا الأمر في الحديث على الندب، وذهب بعض العلماء إلى أن قبول الحوالة مباح، لا مندوب، وذهب أهل الظاهر إلى الوجوب.

وتفرع عن هذا الأمر رجوع المحتال على المحيل إذا عجز المحال عليه، أو مات، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يرجع على المحيل إذا أفلس المحال عليه مطلقًا، سواء عاش أو مات، ولا يرجع بغير الفلس، وقال مالك: لا يرجع إلا إن غره، كأن علم فلس المحال عليه، ولم يعلمه بذلك، وذهب قتادة والحسن إلى أنه لا يرجع إن كان المحال عليه يوم الإحالة مليًا، وعن الثوري يرجع بالموت، ولا يرجع بالفلس، وذهب الشافعي والجمهور إلى عدم الرجوع مطلقًا، على أساس أن الحوالة معناها إبراء المحيل، وتحويل الحق عنه، وإثباته على غيره، وقال الحسن وزفر: الحوالة كالكفالة، فيرجع على أيهما شاء. وقد تلحق بالحوالة الكفالة، الكفالة في القروض، والكفالة في الديون، والكفالة في الأبدان.

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 - يؤخذ من الجزء الأول من الحديث الزجر عن المطل، واختلف: هل يعد فعله عمدًا كبيرة؟ وهل يعتبر فاعله فاسقًا وإن صدر منه مرة واحدة؟ قيل: لا يعتبر فاسقًا إلا بالتكرار، والجمهور على أنه يعتبر فاسقًا دون تكرار، لأن منع الحق بعد طلبه، وانتحال العذر عن أدائه - دون عذر - يشبه الغصب، والغصب كبيرة وإن لم يتكرر، وتسميته ظلمًا يشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرار، نعم لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره. قالوا: ويدخل في المطل كل من لزمه حق للغير، كالزوج لزوجته، والحاكم لرعيته، وبالعكس.

2 - واستدل بلفظ "الغني" على أن العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم.

3 - واستنبط منه أن المعسر لا يحبس، ولا يطالب حتى يوسر، قال الشافعي: لو جازت مؤاخذته لكان ظالمًا، والفرض أنه ليس بظالم لعجزه.

4 - واستدل به على ملازمة المماطل.

5 - وإلزامه بدفع الدين.

6 - والتوصل إليه بكل طريق.

7 - وأخذه منه قهرًا.

8 - وفيه الإرشاد إلى ترك الأسباب القاطعة لاجتماع القلوب، لأنه زجر عن المماطلة، وهي تؤدي إلى ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015