وقال: من منكما الذي يحلف ألا يفعل الخير؟ قال الدائن: أنا يا رسول الله، ولن أعود، وسأعاقب نفسي على ما فعلت بأن أتنازل عن بعض الدين، أو أؤجله الدين إلى ميسرة، ولخصمي أي الأمرين أحب. ويحكي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً فيمن كان قبلنا لم يقدم خيرًا قط، ولم يعمل صالحًا قط، إلا أنه كان سمحًا إذا باع، سمحًا إذا داين، سمحًا عند استيفاء حقه، فلما مات قال الله تعالى: نحن أحق بالتجاوز منه. تجاوزت عنه، وعن تقصيره في حقي، يا ملائكتي، تجاوزوا عنه، وأدخلوه الجنة. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
-[المباحث العربية]-
(لو بعت من أخيك ثمرًا) كذا هو في الأصول التي بين أيدينا "لو بعت من أخيك ثمرًا" والمراد: لو بعت أخاك ثمرًا، فالمخاطب البائع الذي تلفت عنده الثمرة وقد أخذ ثمنها من المشتري، فمن زائدة في الإثبات، على مذهب الأخفش والكوفيين، كما في قوله تعالى {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} [الأحقاف: 31] فالإيمان يجب ما قبله، ويغفر كل الذنوب.
(فأصابته جائحة) الجائحة الشدة العظيمة التي تجتاح المال وتهلكه وتستأصله. أي فأصابت الثمر المباع مهلكة.
(فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا) أي لا يحل لك أيها البائع أن تأخذ من أخيك المشتري شيئًا من مال.
(بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ) الاستفهام إنكاري توبيخي، أي لا ينبغي ولا يحل لك أيها البائع ذلك. فإنك إن أخذت شيئًا كان بغير حق. وفي الرواية الثانية "بم تستحل مال أخيك"؟ وفي الرواية الثالثة "إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك"؟ والمراد من منعها هلاكها، ومنعها من السلامة والنضوج، وفي الرواية الرابعة "إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه"؟ أي إن لم يحفظها لتكون ثمرة صالحة للأكل.
(أرأيتك إن منع الله الثمرة. بم تستحل مال أخيك؟ ) "أرأيتك" أي أخبرني، فالاستفهام يراد به مطلق الطلب بدل طلب الفهم. مجاز مرسل، والرؤية يراد بها الإخبار، مجاز مرسل، علاقته السببية والمسببية. فآل الأمر إلى طلب الإخبار، المدلول عليه بلفظ أخبرني.
(أمر بوضع الجوائح) أي بالتنازل عن قيمة الجائحة، فلا يأخذ البائع قيمة المبيع الذي هلك عنده قبل قبضه.
(أصيب في ثمار ابتاعها) أي هلكت ثمار اشتراها، والظاهر أنها كانت بعد بدو الصلاح، أو أن ذلك كان بتقصير منه قبل الجذاذ، إذ لم يرجع على البائع بشيء.