وإسحق، إلا أنهما قالا: إن البذر يكون من عند صاحب الأرض، وإنما على العامل البقر والآلة والعمل. وقال ابن بطال: كرهت المزارعة طائفة. منهم ابن عباس وابن عمر وعكرمة والنخعي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والشافعي وأبي ثور. قالوا: لا تجوز المزارعة وهي كراء الأرض بجزء منها. واعتمد من قال بالجواز على معاملة أهل خيبر، وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره على عهد أبي بكر. إلى أن أجلاهم عمر، وعلى أن المزارعة عقد عمل في المال ببعض نمائه، فهو كالمضاربة، لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه، وهو معدوم ومجهول، وبأنه قد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة، فكذلك هنا.
واستدل المانعون بأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة، وقد أجاب عنه المجوزون قريبًا، كما قال المانعون: إن العامل إذا أخرج البذر كأنه باعه إلى صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة، وهو لا يجوز، وأجاب المجوزون: بأنه مستثنى من النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة، جمعًا بين الأحاديث - وقال المجوزون إن القياس في إبطال نص أو إجماع مردود.
واستدل المانعون بأحاديث النهي عن المخابرة وعن كراء الأرض [رواياتنا السابعة والثامنة والعاشرة والثانية عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة وما بعدها من روايات رافع بن خديج]، ورد المجوزون بأن الممنوع نوع من المخابرة كان سببًا في المنازعات، وهو جعل قطعة من الأرض لهذا وأخرى لهذا كما تصرح الرواية السابعة والعشرون، أو يحمل النهي على ما إذا تضمن العقد شرطًا فيه جهالة، أو يؤدي إلى الغرر، وقد روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص، قال: "كان أصحاب المزارع يكرونها بما يكون على المساقي من الزرع، فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك، وقال: اكروا بالذهب والفضة".
وقد يحمل النهي على التنزيه، على أن أحاديث رافع بن خديج فيها كلام كثير، فقد بين الطحاوي علة النهي فيه، فروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج. أنا والله كنت أعلم منه بالحديث، إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع. فالنهي الذي سمعه رافع لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التحريم، وإنما كان لكراهيته وقوع الشر بينهم، ويروي الطحاوي أن ابن عمر حين استفهم من رافع عن الحديث، وأسنده رافع إلى أحد عميه قال ابن عمر: قد علمنا أن عمك هذا كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له ما في جداول السواقي وطائفة من التبن. فالظاهر أن ابن عمر كان ينكر على رافع تعميم النهي وإطلاقه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا، مع أن المراد منه ما تضمن الشرط الفاسد، يؤكد ذلك قول عمه في الرواية الخامسة والعشرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "نؤاجرها على الربيع" - أي على النهر الصغير، أي على ما يخرج على شواطئه. وهذا شرط فاسد، وقول رافع في الرواية السابعة والعشرين "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويهلك هذا. فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه" وقوله في الرواية الثامنة والعشرين "كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، فربما أخرجت هذه، ولم تخرج