والثالثة عشرة تعمم الطعام، ولا تفرق بين المكيل والجزاف، بل الرواية التاسعة والعاشرة تنص على النهي عن بيع الجزاف حتى يقبضه. وبهذا قال الجمهور.
2 - استدل بعضهم بقوله "حتى يحولوه" في الرواية التاسعة، وقوله "حتى يؤووه إلى رحالهم" في الرواية العاشرة بأن المبيع من الطعام جزافًا قبضه النقل والتحويل إلى الرحال، والجمهور أن هذا القيد خرج مخرج الغالب.
3 - استدل بعضهم بقوله في الرواية الثالثة والحادية عشرة "حتى يكتاله" بأن شرط القبض في المكيل الكيل، وفي الموزون الوزن، فمن اشترى شيئًا مكايلة أو موازنة فقبضه جزافًا فقبضه فاسد، ومن اشترى مكايلة وقبضه، ثم باعه لغيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول، حتى يكيله على من اشتراه ثانيًا، أما بيع الصبرة جزافًا فالرواية التاسعة والعاشرة تبيحه مطلقًا، على أن لا يباع ثانية حتى ينقل، وبه قال الجمهور، أي سواء علم البائع قدرها أم لم يعلم وسواء علم المشتري قدرها أم لم يعلم، وعن مالك التفرقة، فلو علم البائع دون المشتري لم يصح. قال ابن قدامة: يجوز بيع الصبرة جزافًا، لا نعلم فيه خلافًا إذا جهل البائع والمشتري قدرها. اهـ.
4 - استدل بالرواية الرابعة عشرة على تحريم بيع التمر المجهولة القدر بتمر معلوم القدر، قال النووي: هذا تصريح بتحريم التمر بالتمر حتى تعلم المماثلة. قال العلماء: لأن الجهل بالمماثلة في هذا الباب كحقيقة المفاضلة، لقوله صلى الله عليه وسلم "إلا سواء بسواء" ولم يحصل تحقق المساواة مع الجهل، وحكم الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، وسائر الربويات، إذا بيع بعضها ببعض حكم التمر بالتمر. والله أعلم.
5 - واستدل بالرواية الثانية عشرة على منع بيع الصكوك. قال النووي: وقد اختلف العلماء في ذلك، والأصح عند أصحابنا وغيرهم جواز بيعها، والثاني منعها، فمن أخذ بظاهر قول أبي هريرة وبحجته منعها، ومن أجازها تأول قضية أبي هريرة على أن المشتري ممن خرج له الصك باعه لثالث قبل أن يقبضه المشتري، فكان النهي عن البيع الثاني، لا عن الأول، لأن الذي خرجت له مالك لذلك ملكًا مستقرًا، وليس هو بمشتر، فلا يمنع بيعه قبل القبض، كما لا يمتنع بيعه ما ورثه قبل قبضه. قال القاضي عياض - بعد أن تأوله على هذا النحو - وكانوا يتبايعونها، ثم يبيعها المشترون قبل قبضها، فنهوا عن ذلك، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فرده عليه، وقال: لا تبع طعامًا ابتعته حتى تستوفيه. اهـ.
قال النووي: وكذا جاء الحديث مفسرًا في الموطأ أن صكوكًا خرجت للناس في زمن مروان بطعام، فتبايع الناس تلك الصكوك قبل أن يستوفوها.
وفي الموطأ ما هو أبين من هذا، وهو أن حكيم بن حزام ابتاع طعامًا أمر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فباع حكيم الطعام الذي اشتراه قبل قبضه ... " واللَّه أعلم.
6 - ومن الرواية التاسعة والعاشرة، من قوله "كانوا يضربون" أن ولي الأمر يعزر من تعاطى