يخيرها". قال النووي: وفي هذا الكلام دليلان. أحدهما: إخبارها أنه كان عبدًا، وهي صاحبة القضية، والثاني قولها: لو كان حرًا لم يخيرها، ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا، ولأن الأصل في النكاح اللزوم، ولا طريق إلى فسخه إلا بالشرع، وثبت الفسخ بالشرع في العبد، فبقي الحر على الأصل، ولأنه لا ضرر ولا عار عليها وهي حرة في المقام تحت حر، وإنما يكون ذلك إذا قامت تحت عبد. والله أعلم.

قال ابن بطال: أكثر الناس في تخريج الوجوه في حديث بريرة، حتى بلغوها مائة وجه.

وقال الحافظ ابن حجر: وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة، أكثرها مستبعد، متكلف. والله أعلم.

أما القضية الثالثة: وهي فضل العتق فتتناولها الروايات التاسعة عشرة والمتممة للعشرين والواحدة والعشرون والثانية والعشرون والثالثة والعشرون.

وعنها يقول النووي: في هذه الأحاديث بيان فضل العتق، وأنه من أفضل الأعمال، ومما يحصل به العتق من النار، ودخول الجنة، وفيها استحباب عتق كامل الأعضاء، فلا يكون خصيًا، ولا فاقد عضو من أعضائه، وفي الخصي وغيره أيضًا الفضل العظيم، لكن الكامل أولى، وأفضل العتق أغلاه ثمنًا، وأنفسه عند أهله، وهذه الأحاديث دليل على أن عتق العبد أفضل من عتق الأمة. قال القاضي عياض: واختلف العلماء أيهما أفضل؟ عتق الإناث؟ أم الذكور؟ فقال بعضهم: الإناث أفضل، لأنها إذا عتقت كان ولدها حرًا، سواء تزوجها حر أو عبد، وقال آخرون: عتق الذكور أفضل، لهذه الأحاديث، ولما في الذكر من المعاني العامة، والمنفعة التي لا توجد في الإناث من الشهادة والقضاء والجهاد وغير ذلك، مما يختص بالرجال، إما شرعًا، وإما عادة، ولأن من الإماء من لا ترغب في العتق، وتضيع به، بخلاف العبيد، وهذا القول هو الصحيح.

وأما التقييد في الرقبة بكونها مؤمنة فيدل على أن هذا الفضل الخاص الوارد في هذه الأحاديث إنما هو في حق عتق المؤمنة، وأما غير المؤمنة ففيه أيضًا فضل بلا خلاف، ولكن دون فضل المؤمنة، ولهذا أجمعوا على أنه يشترط في عتق كفارة القتل كونها مؤمنة، وحكى القاضي عياض عن مالك أن الأعلى ثمنًا أفضل، وإن كان كافرًا، وخالفه غير واحد من أصحابه وغيرهم. قال: وهذا أصح.

واختلف العلماء في إنقاذ العتق من النار، وبكل عضو من أعضاء العتيق عضوًا من أعضاء المعتق حتى الفرج بالفرج. قال ابن العربي: الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب له النار إلا الزنا، والزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة، ثم قال: يحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عند الموازنة، بحيث يكون مرجحًا لحسنات المعتق ترجيحًا يوازي سيئة الزنا. اهـ قال الحافظ ابن حجر: ولا اختصاص لذلك بالفرج، بل يأتي في غيره من الأعضاء، كاليد في الغصب مثلاً.

ثم قال النووي: واختلفوا في عتق الأقارب إذا ملكوا، فقال أهل الظاهر لا يعتق أحد منهم بمجرد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015